الاستغناء عن الموروث الديني

 ردي على مقالة الدكتور عمران سلمان حول: الاستغناء عن الموروث الديني 



دكتور عمران سلمان أُخاطبك من مُنطلق الباب الإسلامي الأصيل، والذي ليس له مثـيـل.

هذا الباب الذي دعا لجمال الحياة الإنسانية من منظور الإيمان بالله تعالى. 

ومن أصول الإيمان بالله، الإيمان برسوله الكريم، في منطق الإحسان.

ومن أصول الإيمان بالرسول صل الله عليه وسلم، كان لنا اليقين بأن نُحافظ على ذلك الموروث الديني الذي تحدثت عنه، وأردت أن نتنازل عنه.

إن القيمة الحقيقية لهذا الموروث الديني هو أن نحافظ عليه، ونؤمن به على موضع التنفيذ بعد التصديق، وليس التقييد من منطلق التعديد.

فالتفسير، وعلم الفقه، وعلم الحديث، وجميع الكُتب التي ورثناها، جاءت بالمعنى لا بالمبنى، فما عملنا بها، إلا لأنها تسري في طريق قويم ومستقيم، وتضع البشرية على ذلك؛ بخدمتهم وتأويل معمعات الحياة الصعبة، التي كان خلق الإنسان فيها للعبادة. 

وحتى كتب الموعظة، وسير الأخيار، هي لم تأتِ للحديث في التشويق أو التفريق بيننا وبينهم.

بل أتت بقيمة إجمالية بلغت منتهى الكمال وسؤدد المثالية والمثال، وضرب الخيال عن المرام والمآل، والإيمان بأنها أتت للموعظة، وأخذ العبرة للمجتمعات والدول، وأتت لرشد الإنسان، وتجميل حياته للارتقاء بالنفس البشرية إلى مكنون تسمو به عن كل شيء، وليس منطقًا يدعوه للبقاء في دائرة الحرمان والتفكير بالأحزان في النوم واليقظان، من أجل إشباع نفسه، وإتباع هواه في شقاء تحقيق ملذاته. 

ولتعلم أن الفردية التي تدعو لها، لن تحرر النفس، بل ستهلكها في حياة المادة والأهواء، والترف المغري والإغواء.

إن التناقض في حياة الإنسان، هو أن يجد نفسه جامدة، كأنها جثة هامدة، لا تحاول البحث عن القيمة الحقيقية لمكنونية وجودها، وعبرة ديمومتها.

ربما كان هذا الإنسان يتجه لفرض نماذج أصولية، ومعتقدات فلسفية، لكي يعيش في تصور معلوم، هو العبادة، والإيمان حق اليقين، أن ذلك هو باب السعادة. 

وأن أي تصور آخر لا ينصب في التفكر والتعرف على منطق الحضارات، وهندسة الخالق سبحانه وتعالى، في تسيير نظام هذا الكون العظيم، وهذه التركيبة المنفردة، بطبيعتها الملموسة والمحسوسة، والاستجابة للمحيطات في كل حيثية مثبتة عن صنع الخالق القدير؛ هو توهم أهل البدعة، في محاولات فاشلة لتعرية الفكر الإسلامي من جذوره الظاهرة والباطنة.

دكتور عمران سلمان

إن الشيء الذي تُندد بأهمية التنازل عنه، هو الهُويـة والقيمة التي رفعت الأمم، ودفعت الظُلم عنها، ووضعت المواثيق والعهود للتعريف بكل شيء آتي في الأسباب وظروفها ومستواها، الذي يتطلب نفي كل مكيدة تعرقل تعايش المجتمعات.

ولطالما فهمنا الدين كاملًا، فلن نمحو صورة العرض، حتى تراها الأقيال القادمة قبل الأجيال.

فهذه هي الهُويـة الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفنية، العربية والإسلامية، ومهما تعلمنت الدُول وتقدمت؛ فلن ننسى هويتنا ونمحوها بأنفسنا. 

دكتور عمران سلمان 

إن إنسانية الإنسان التي تتحدث عنها(هي تركيبة مزيفة، وخبط عشواءٍ ظلماء، لا تُصيب قط، بل تُزين في عقول الكثيرين كل المساوئ، وتجعل الجمرة التي تحرق ثمرة يبحث عنها الإنسان في جمال مظهرها وماديتها، ثم ما يلبث أن يُمسكها حتى يحرق يده، ويندم في ما فعله، فقد كان يستمتع ويستلذ وهو ينظر لتلك الثمرة، التي كانت حقيقتها، أن تجعله تائهًا في مشاغل الدنيا، ومشغولًا عن أداء واجبه في دنياه).

إن ما دعوت إليه؛ لجعله في قائمة النسيان، وخبر كان، هو الدين ذاته، هو القيم والمبادئ، هو السلوكيات التي علمتنا أمور حياتنا، وصححت مسارنا، ولولاها ما عرفنا من نحن، ومن كنا!


فإذا كان ترك الدين يعني تقدمًا

فيا نفس موتي قبل أن تتقدمِ

وإذا كان ترك الدين يعني تنورًا

فيا نفس موتي قبل أن تتعلمِ

وإذا كان ترك الأصول يعني تفاخرًا

فيا نفس موتي قبل أن تتألمِ


دكتور عمران، سأظل أُخاطبك بالحرف والكلمة، 

وأقول لك: أنسيت بأن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان؟، وأن السُنة الشريفة هي مكملة هذا الكتاب السماوي، وأن الفقه والاجتهادات هي مكملة ومفسرة لجُل وكل المعضلات التي تعترض منهج الإنسان المسلم، وغير المسلم، فكل البشرية تدين بشدة لمنهجيات هذا الكتاب في حياتها، وهذه الموسوعة الشاملة، والكاملة لنشأة وتربية، وتهذيب وتأديب كل البشر. 

فكيف تريدنا أن نهدمها لكي نتقدم، فوالله ما نتقدم إلا بها، ولا نسير إلا بفضلها، بصحةٍ وعافية، أوا تريد إعطائنا العُكازات بدلًا عنها، ونحن سليمين بحمد الله تعالى. 

يبدو أنك من الذين يحبون الاجتزاء من تلك الكتب التي احتوت أفكارًا عسرة، وشروحًا عكرة؛ من أجل مهاجمة ثروتنا العلمية العظيمة، وفِكرنا الإسلامي العظيم، الذي يدعو الإنسان لحسن التدبر، والانضباط في الحياة، والبحث في منظور العدل، الذي هو أساس الإنسانية في تعاملات البشر والمجتمعات والدول.

وأما الحكومة التي نوهت بأنها قادرة على التغيير في معارف ومآلف المجتمعات، وأنها قادرة على أن تُحكم السيطرة على محو وفبركة الموروث الثقافي والإسلامي ــ فبوهمك هذا وتوهمك، أكدت بأن الحكومات العربية بإحكام قبضتها في مثل هذه الحالات والتصرفات تخرج عن الدائرة، وتنهج في طريقٍ فيه معنى العبثية والإضرار بقيمة الإنسانية. 

وإن ذكرت واستطردت بحديثك وتلميحك، للأمير محمد بن سلمان، وما فعله في الآونة الأخيرة هو من باب راحة البال لروح المسلم، وباب سعادة الشعب السعودي المسلم، فقد اخطأت، حتى ظننت أن القوة في الحرمان تسير في اقتلاع جذور الإيمان، ولك أن تعرف بأن القوة لن تدخل إلى القلوب؛ لتفرغها من قيمها وإيمانها الأصيل، بل اقتصرت على الماديات والتصرف بها، تحت إمرة مالكها، وجبروته، فمنع مكبرات الصوت في مساجد الله، ليس إلا حُجة يتبرقع بها من يُريد علمنة دولته، وفك شفرته من هذا المنطلق. 

ولن يكون الأمر اللافت للانتباه، أنك تدعو الإنسان؛ ليكون إنسان، فيُغير واقعه ويبحث عما هو نافعه، وأن يكون شافعه هو دوافعه، التي تُحركه للغرض الذي يساعده على البقاء والاستقرار، وإشباع هواه دون الانتظار، أو الاقتصار على أي طبيعة.

هذا ما كنت تـرمِ إليه؟

أن يظل الإنسان أسير هواه ومُبتغاه، ويبحث عن ملذاته ومسراته، ليُشبع غريزته وشهواته، فيكون بذلك قد حقق هدف حياته.

أليس كذلك؟

تدعوه ليكون حُـرًا، وينسى الأحكام الشرعية والعقيدة، وألا يضرب لها بال، أو يخلق لها حال.

أليس كذلك؟ 

تدعوه للإيمان بالأحلام، والعيش في الأوهام، ونسيان الدين والإسلام. 

دكتور عمران، كان يجب عليك أن تكتب مقالًا تدعو به إلى تحقيق الإنسانية في دستور الأمراء والحُكام، والرؤساء والأعلام. 

تدعوهم لتحقيق الإنسانية في معاملة الشعوب، وفي النظر لواقع الحروب وإخمادها، ودفع الظلم عن أبرياء القلوب، والخوف من الجليل الجبار عالم الغيوب.

ما الشيء الذي دفعك، لأن تظن بأن كل الأشياء تُمحى بكل هذه السهولة...

دكتور عمران، أعد تفكيرك فيما كتبت، وإياك أن توهم قلبك!، بأنهُ ليس ضحية، وبأنك تمجد حرية الإنسان من ماضِ الأزمان.

فالحرية والتجديد والاستغناء عن الموروث الديني، لن يكون طريقه بأن نُشيع جثماننا، ونسير على أجسادنا، ونحن نحن ذاتنا وأنفسنا، بعقولنا التي فكرت، ونفوسنا التي ثابرت وصابرت؛ حتى نتمسك بكل ذلك، ليس جهلًا مِنا أو تغافل، أو ضعفًا أو تكاسل؛ بل لأننا سلكنا ذلك الطريق على إيمان صادق، بأن تراثنا العلمي والثقافي والأدبي هو المنارة العالية، وقنديلنا المضيء في دروبنا شتى.


الكاتب/ تـامـر التـويـج 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُذكرة وداع

لماذا تفشل قصص الحب؟

فراق أحباب