الإنسانية والإسلام

 الإنسانية والإسلام

للكاتب/ تامر التويج

 








الإنسانية والإسلام

لقد وُجد الإسلام دينًا للبشريــة منذ خلق الله الأرض ومن عليها، إذ جاء الإسلام متمحورًا في ثقافة الإنسانية السمحاء الخالصة ــ فإذا أمكن أن نقول بمعنى العموم: بأن الإسلام هو دين البشرية جمعاء، فإننا سنقول أيضًا: إن الإنسانية هي جوهر الإسلام الذي جعلهُ الله نهجًا للبشريــة - وإذا كان لكل شيءٍ قلب نابض، فقلب الإسلام هو "الإنسانية"، وقلب الإنسانية هو "العـدل"؛ فالحمد لله الذي خلق كل شيء بحكمته، وأقامهُ برحمته بين أنبيائه وجميع خلقه. 

إن الإنسانية موجودة في هذا رحب هذه الأرض مُنذ غابر الزمان، فوُجدت في فسيح هذا الكون الوسيع لنُدرك أن حقيقة وجود الإنسان إنما هي للتعاون والسماحة والتشاور العميق لتقدم الحضارات وخلق المجتمعات المتمرسة في الاندفاع والتحول في وهلة يسيرة من الزمن من الدفاع إلى الهجوم، وقد يُصاحب ذلك الاندفاع إما غرور وتكبر، أو سرور وتفكر...

 عندما وجدت هذه الأخلاق كان لها معنى سامٍ وواحد وهو خلق المحبة والسلام؛ ليحيا الكون في حالة وئامٍ وانسجام، وأمنٍ وأمان، فيُداعب الكون مزيج من الأنس الحضاري والاستعداد لانطلاق حياة جديدة مفعمة بالحيوية والنضج الفكري؛ لا سيما وأن الإنسان يمتلك عقلًا يهديه السبيل وأيُ الطريق شاء، فإن هو أفلح فقد تُفلح أجيال من بعده، وإن هو أوكس فما ظلم غير نفسه.

الإسلام والإضافة الكبيرة إلى معنى الإنسانية والإخلاص.

إن الإسلام أتى بعباءة العدل، ليساوي في البشر حق العيش في اللون والشكل والذكورة والأنوثة في كل الجنسيات والعرقيات، في كل الأقطار والأمصار، لأن طينة هذه الأرض هي أساس لمن عمّرها؛ فآدم عليه السلام خُلق من طينة هذه الأرض من شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، أحمرها وأسودها، أبيضها وأصفرها، أزرقها وأخضرها، وذلك في خليطٍ جمعهُ ملك الموت عندما أمرهُ الله أن ينزل إلى الأرض ويجمع من طينها، فيأتي به إليــه سبحانه الله وتعالى؛ فيخلقهُ بيديه وينفخ فيه من روحه، ويشرفه ويكرمه- ويمكن لنا أن ندرك أن الإنسانية والبشرية كلها معظمة ومتساوية في الشرف العظيم والفخر على كل المخلوقات بأن فيه من روح الله؛ وبهذا لا فضل لإنسان على إنسان إلا بالتقوى، وبما حُمل من هم الدين ونشر الإسلام وإعلاء كلمة الله ونُصرة المظلوم والحكم بالعدل وقول الحق"حين ذلك يكون للإنسان فضل في ذلك.

وحين ننتقل إلى المجتمعات والقبائل العربية فقد سادت العرب هذه الأرض وكان لها حُسن التكريم والتشريف وذلك بأن جعل الله تعالى نبي الإنسانية "محمد بن عبد الله، عليه أزكى الصلاة والتسليم" من نسلهم، فتشرفوا بذلك تشريفًا وتكريما، وازدادوا مقامًا وتعظيما، بخلق وخُلق أعظم إنسان عرفته الأرض ولن تعرف مثله سواه، نبي الرحمة والأمة أجمعين، من أرسله الله نورًا هاديًا للعالمين...

فمحمد صلى الله عليه وسلم أتى ليحمل قنديل الإسلام مُجددًا وفي ناصيته محطة السعادة، فالقنديل الذي جاء به هو المُتمم والمُكمل لنهج السلوك الذي تعاظم في قيمة الإنسانية، فقد أضاف الإسلام للشعوب والحضارات والتاريخ شيئًا عظيمًا رفعوا به رايات ومنارات، فقد كان للعرب عادات وتقاليد ترفع شأنهم وتُجليهم وتُعليهم مكانةً ورِفعة، فكان لهم في الأخلاق الكثير والكثير من الأمانة والعهد، والكرم والحُرمة، والإباء والوفاء، وقد كانوا يكرهون الكذب ولهم فضيلة عظيمة في نُصرة المظلوم والفزعة والانتفاضة ضد الظالمين والطُغاة المتجبرين على الرعية.

وكانوا يكرهون البخل والشُح، ولا يُطيقون أن يروا أحدًا ذليل الحال، وكان لهم في الشهامة والنخوة ما لم يكن لغيرهم من شعوب ومُجتمعات.

لكن كل هذا لم يكن مصحوبًا بما هو مكمل ومتمم لهذه العادات والأخلاق والتقاليد الحميدة، فجاء الإسلام ليدلهم ويهديهم الطريق القويم والمستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا مهانة، فالإسلام جعل للبشرية قوة خاصة في العز والمكانة الرفيعة.

فصدق خاتم النبيين "محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم" عندما قال: (إنما أتيتُ لأُتمم مكارم الأخلاق) ...مُتفق عليـــه.

وهذا يدلُ على أنه كانت هنالك أخلاق إنسانية عند العرب، فالإسلام أتى مكملاً لإنسانية العدل والرحمة...

إنسانية التعاملات

الإسلام ليس دار عبادات في مضمونه:(الصلاة والصيام، والحج والقيام، والزكاة، والخضوع والركوع)، ليس كل هذا فقط...

فهذه عبادات حركية للعبد مع الرب جل جلاله وتعالت أسمائه وعظمت صفاته...

ولكن الإسلام يتجلى في عظمته في الإنسانية والعبادات التعاملية، معاملات الإنسان مع أخيه، مع جاره وذويه، مع أقربائه وأحبائه...

الابتسامة والتعاون مع الغير، تفقد الغير والمبادرة في التخفيف عنهم، رسم الابتسامة والسعادة في وجوههم، العدل وقول الحق في كل المواطن، نصرة المظلوم ورد حقه، وئد الفتن والمحن العظيمة بين المجتمعات...

هذا هو الإسلام بإنسانيته ورحمته، بمضمونه ومعناه، بإفشاء السلام وإطعام الطعام، في التعاضد ورد الكيد والشر...

وإلا فما حاجة الإسلام لمن يُصلي ويصوم، ويلتزم بيته لا يُحدث هذا ولا يسأل عن هذا، ولا ينصر هذا أو يُنجد هذا، لا يبتسم أو ينسجم مع أحد...

ولهذا جئنا بمفهوم الإنسانية، لنقول: الإنسـان أخو الإنسان، حتى نعرف أن الإنسانية أعظم توسعًا وفكرًا في مضمون الإسلام وعقيدة السلام، المخلوق في جوارح الإنسان، فلا بُد أن يُبديه ويجعله نُصب عينيه.

الإنسان مرداف للإنسان، والإنسانية مرادفة للإسلام- أي أنهم من رديف واحد، وكما أن لكل كلمة مردافها إلا أن المعنى يُظهر المعنى نفسه، وقد تكون الكلمة هنا تتناسق مع هذه العبارة وتلك لا تتناسق، إلا أن إحدى المرادفات لها قوة في المعنى أكثر من أًختها وهكذا الإنسان يجب أن يكون في المكان المناسب الذين يكون فيه قويًا قادرًا على تحقيق ما أرادهُ الله منه، فإنهُ حين يُضيف على الجملة كلمة ولها مرادفها إلا أنه أختار تلك الكلمة لأنها تقوي المعنى وتوضحه وتبرز جمالاً ونسقًا...

كذلك البشر كلهم مرادف للأخر إلا أن قواهم تختلف ولكن المطلوب منهم واحد فالله تعالى ساواهم بشيء سيُحاسبهم عليه كونهم امتلكوه جميعًا -إنه العقل فلا يبرأُ من هذا إلا من له حجة أمام الله تعالى، حتى المجنون فلا عُذر له فيما فعل قبل أن يكون كذلك، وأما الجوارح وسلوك الجوارح فهي نِتاج العقل، فالنية تُثبتُها أو تمحيها.

إنسانية النفس مع النفس

إنسانية النفس تتمثل في ردعها وقهرها من عمل كل شيء سلبي، له أضرار وعواقب غير محمودة، وفي إنسانية النفس مع النفس، والذات مع استشعار المسؤوليات، حول الغريزة البشرية، والشهوة الجامحة، والسيطرة الفعلية، والهيمنة النفسية، والحجة الواسعة حول الشبهات والشهوات...

يمكن لنا أن نتساءل؟ كيف يكون الإنسان سيد نفسه، ويخلق في نفسه إنسانًا يحاوره؛ ليرفع من شأنه...

لا يكاد الإنسان يُصدقُ نفسه في ارتكاب ما حرم الله تعالى وحذر منه حتى تكون له حُجةٌ في ذلك، إما أن نفسهُ تنازعه على الذنوب وهو لا يريد ذلك فله هنا حُجةُ بعيدًا عن الذريعة التي لم تمنعه، في رد غواية الشيطان فيصح منه ذلك ويغفر الله له، وفي البشر من تستقيم له نفسه، لكن في طريق مُعوج في نهاية الهلاك والويلات، فيرتكب الذنب ويُمتع حواسه ويُمطر بحر هواه فيكون من الضالين، فيأتي ويقول: إن الله تعالى قد زرع حب الشهوة في قلبه، وأنهُ لا أثم عليه فيما فعله، وأنه استقام لِمَ فعل، لأن لا قوة لديه لقهر ذلك الوسواس، وهنا لا تكون حُجتهُ إلا باطلًا وبُهتانًا على الله.

 فالله تعالى خلق القوة لقهر الشيطان والابتعاد عن السير في دربه، وأعطى الإنسان وسيلةً في حربه ضد الشيطان، فجعل سبحانهُ وتعالى لمن ليس لديه قوة "التوبة" ليُسارع في توبته وتكون له حُجة في أمره، رغم أن العقل أعظم وسيلة لقهر كهنوت الشيطان، وجبروت النفس الحائرة بين دوائر الشهوات بين الرسوخ والشبهات.

ومن نازع نفسه حتى تستقيم له كانت الدنيا في يديه، يُقلبها كيف يشاء، ولكن من كانت نفسه ُ في قلبه غلبتهُ وسيّرت به الدنيا كيف تشاء.

ولكل إنسان سيطرة وهيمنة في حدود ذاته، وفي حدود نفسه، في حدود غيره، وفي حدود مع من هم حوله ودونه، فله أنه يغلب على أمره بما أراد، فإما التكبر والغرور والتغطرس وحب الظلم، فيظلم من يشاء وينصف من يشاء فيسلب الحرية والحياة من أحدهم ويلقي على أحدهم فضلًا من ظُلمه كان بالغطش والبطش والنزع، فيكون هنا الخاسر الأكبر، أو أن يسير بحكمة وبعقلانية وإنسانية، فلا يقهر أو يظلم، أو يسرق أو يهدم، وهنا يكون الفائز الأكبر في إيثاره آجــلته على عاجلته، وباقيته على راحلته...


✍️ /تـامـر التـويـج 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

تساؤل كاتـــب؟ تبًا لمن؟!!!