ليلة الزفاف ما بين الغابر والحاضر

 ليلة الزفاف ما بين الغابر والحاضر

للكاتب /تـامـر التـويـج 




طقوس الزواج في اليمن

للزواج في اليمن طقوسه الخاصة التي تميزه عن غيره من الدول الأخرى، ولكل منها مبرراته وأسبابه المحددة، ومع التشابه في بعض عادات وطقوس الزواج في مختلف المدن والأرياف اليمنية، إلّا أن هذا لا يمنع وجود بعض الاختلافات.

وتبدأ خطوة الزواج الأولى في بحث أسرة العريس عن فتاةٍ تناسبهم، وتوافق طلبهم، بمشورةٍ من الجيران، أو أيٍ كان، فتذهب مجموعة من النساء من أسرة العريس إلى أهل العروس، وذلك للتعرف عليهم ورؤية الزوجة المستقبلية لابنهم، وبعد استقبالهن،وضيافتهن، يجلس الطرفين للخوض في أي حديث، ثم فجأة تحصل بعض الإشارات في أسرة الفتاة، كأن مفاد تلك الإشارات هو أن تُنادى الفتاة(العروس) للدخول بهيئة طبيعية، دون المبالغة في وضع مسحوقات ما يعرف بالميكآب، وذلك من أجل تقييمها؛ فإذا حازت الفتاة على إعجابهن، عندها يحصل أهل الفتاة على الموافقة المبدئية من أسرة العريس، فيُحدد بعدها يوم للخوض في الحديث أكثر، خاصةً وأن الأمر، يتحول لحلبة الرجال، للاتفاق في شرط العروس ومهرها، وكذلك شروط أُمها وحتى شروط العروس نفسها، وهذا كله قبل حضور العريس لرؤيتها، وتكون عادةً في طقوس الزواج اليمني، هناك شروط مادية، وشروط معنوية، وشروط مستقبلية للعروس نفسها، وهذه الشروط قد تكون مثل: طلب العروس أن تعيش في بيت وحدها، وشرطها أن تدرس أو تكمل دراستها، وربما تشترط أن لا يمنعها مستقبلًا من وظيفة، أو عمل، وشروط أخرى كثيرة، وقد تكون هناك شروط مادية كحق الأم عند طلب الشرط والاتفاق فيسمى(أتعاب الأم)، وفي مصطلح ما زال يردد حتى اليوم وهو(رُضّاية)، وكذلك قد تكون هنالك شروط أخرى، هذا ويختلف الشرط عن المهر، فالشرط يُدفع مقدمًا لتحضير العروس وشراء الذهب والملابس وقبيل من ذلك من أجل تزيينها، وشراء بعض حاجاتها، وكسوتها التي قد تصل لأربع أو خمس أو حتى سبع حقائب(شِناط)، والتي تأتِ مع العروس في ليلة زفافها للعريس.

وأما المهر فهو مؤخر، وهو احتراز فقط، وليس له معنى، إذا كان الرجل أو العريس واثق من نفسه، بأنه لن يخلق أو يفتعل المشكلات التي قد تؤدي إلى الطلاق، ثم بعد ذلك يدفع المهر، فالمهر ليس إلا احتراز من أجل ضمان حق العروس أو المرأة التي قد يظلمها زوجها بأي لحظة، فيقوم بتطليقها، ويتزوج غيرها، وبالتالي لن تكون في أمان عاطفي، وضمان مادي، فليس لها مال لتعيش به وإن كانت في بيت أبوها، فيكون مبلغ المهر تعويض لمجموعة الأعباء التي ستلقاها المرأة بعد طلاقها، بحيث تكوّن نفسها، ولا تحتاج لأحد ــ ولهذا نجد معظم الآباء يبالغون في المهور حتى يكون بمثابة الضربة القاضية للرجل، عندما يتذكره يطير صوابهُ، ويقل جوابهُ، فيرتدع عن وساوس نفسه، وجنونه وطيشه، فيراجع نفسه عند كل غضبةٍ يغضبها.

الخطـوبة، أو الخِـطبـة

العادات والتقاليد تجري مجرى الدم، بين الحضارات والأمم، ولا غرو أو عجب، فحتى الخِطبة في اليمن، لها اختلاف كبير، باختلاف المُدن والقبائل، وحتى العُرف بالنسبة لأهل العروس، فلا بد من احترامه، فنجد أن بعض خِطبة تكون بجملة واحدة، بالذات عندما يكون العريس من الأسرة، يكتفِ الطرفين، أُسرتي العريس والعروس بجملة واحدة فقط( فلان اِنتبهَ كما فلانة نرغب بها لفلان)، ويكون الرد بكلمة واحدة(تم، ابشر، موافق)، وحتى لو كانت الفتاة ما زالت صغيرة، فتتربى وتنشأ على أساس أنها مخطوبة لقريب من أسرتها، حتى لو لم يكن في يدها خاتم الخطوبة، الذي يسمى دليل الخِطبة، إلا أن الكلمة كلمة، ولا يمكن التراجع عنها، بين ذوي العروس والعريس، وهذه لا شك عاداتُ حمقاء، وظلمُ للمرأة بحد ذاته، وهناك خِطبة معينة بحضور أم العريس أو أخته، أو حتى عمته، بأن تقوم بتلبيس العروس خاتم الخطوبة، وهناك عادات تسمح للعريس نفسه بتلبيسها إن لم يكن قد رآها.

هذا وتعتمد الخِطبة على الشرط أولًا بين ذوي العروس والعريس، تحديدًا عند الاتفاق على الشرط، فقد يتفق أهل العريس مع أهل العروس بأن الشرط،(قاطع مقطوع)، أي أنه يكون مبلغًا محددًا، يُدفع وليس على العريس أي شيء بعد ذلك، لا شبكة ولا حبكة، ولا مخنق أو بخنق، أو قد يكون الاتفاق على خاتم الخطوبة والشبكة أو ما يسمى المخنق، بيوم الخطوبة، ومبلغ مالي محدد لبقية الذهب والمتطلبات الأخرى، وهذا كله بحسب الاتفاق.

وأما في السابق فقد كانت العرب على ذِكر لسان خطيب الجاهة، أن الخاطب أو من يريد أن يتزوج، يدخل على أهل الفتاة التي يريد أن يتزوجها فيقول: "أنعموا صباحًا " ، نحن أﻛﻔﺎؤكم ونظارؤكم، إن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتمونا، وكنا لصهركم ﺣﺎمدين، وإن رددتمونا ﻟﻌﻠﺔٍ ﻧﻌرﻓﻬﺎ رجعنا ﻋﺎذرين"، ثم يُجيب ولي أمر الفتاة، أو من ينوبه بالحديث من العشيرة أو القبيلة، إجابةً مناسبة فيها رِضى وقبول، أو رفض وعدول عن الطلب.

أما في وقتنا الحاضر فيكون هناك ما يُسمى بعدل القرية، أو عاقل الحارة، أو قاضٍ بالشرع، أو إمام جامع في الحي الذي تقطن فيه عائلة الفتاة، بأن يكون واحد منهم من يكتب العقد، بعد الخطبة، وهناك بعض العادات في مختلف الأرياف، تكون الخطوبة هي الكلمة، وتقديم مبلغ معين فقط، ثم يكون العقد فالزواج مباشرة، وعند كتابة العقد: 

يقول ولي الفتاة للخاطب بعد أن يلقنه كاتب العقد، وبعد أن يسأل البنت أو الفتاة، وعلى أغلب الأحوال، لا يُأخذ للبنت أي جواب، ولا يُحسب لها حساب، وهذا من المساوئ اليمنية ومما كان ظلما للأنثى الإنسانية والبشرية، التي تبحث عن الاستقرار والتجانس الروحي، كما يبحث عنه الرجل، بعد التلقين يقول والي الفتاة: زوجتك ابنتي/ عمتي/خالتي/ ابنة أخي/ أختي، فلانة، على سنة الله ورسوله الكريم، وعلى مبلغ كذا كشرط مقدم، ومبلغ كذا مؤخر كمهر أو صِداق، فيقول أو يرد الخاطب، قبلت، قبلت، قبلت، ويتعهد على أن يصونها ويحفظ كرامتها ولا يؤذيها وأن يحسن معاملتها ويطيب خاطرها ويعيش معها في كل شيء أحسنه ــ وبعد الرد، يتم نثر المكسرات من الزبيب والفستق واللوز على بقعة جلوس العاقدين، والعاقد، فيأكل جميع من حضر ويباركون للمعقود له، ثم يتم تطييب الجميع، بالعطر أو العُودة الجميلة، ويتم تحديد موعد الزواج (الزفاف)، التي عادة ما تكون يوم الخميس أو الأحد، لما ساد في المجتمع اليمني بخير وبركة هذين اليومين، وقد كان العرب سابقًا، يفضلون إقامة الزفاف عندما يكون القمر بدرًا، وذلك؛ بسبب تطيرهم من الزواج في الليالي المحاق، وجرت اﻟﻌﺎدة أن يكون الزفاف في ليل الاثنين، أو ليل الجمعة.

وقد كانت المرأة إذا كان يوم خطبتها أو عقد قرانها، لبست الجميل والمثيل، وتطيبت بأفضل أنواع العطور، وتحلت بالحلي من أﺳﺎور ﻓﻲ معصميها ومعاضد ﻓﻲ عنقها وعضديها، والمخنق في جيدها، والخلاخيل ﻓﻲ ﺳﺎقيها، والحلقان ﻓﻲ أذنيها، وﻗﻼدات وﺗﺎج ﻋﻠﻰ رأسها، وﻣﻌﻬﺎ صديقاتها يضربن في الدفوف ويضحكن على هنوف ونواجذ، وكانت معظم القبائل العربية، اليمنية في التحديد، إذا عقدت قِران إحدى النساء تطيبت بالعنبر والعبير، وذبحت أنفس البعير، وأطعمت الفطاحل والفقير، وكست البائس والضرير، وألبست العروس أغلى الحرير، ووضعت في كفيها من الحناء ما يراهُ الأعمى والبصير، كنايةً عن أن ابنتهم خُطبت، وليس لأحدٍ أن يطلبها مرة أخرى، بشعرٍ أو شعير، بناظرٍ أو نضير، بيسارٍ أو عسير، بمهرٍ أكثر أو يسير، بفاقةٍ أو قرير.






والحناء كان رمز الخطبة والعقد، فإذا رآه أحد ما على فتاة يئس منها، وهذا موقف قيس بن الملوح الذي تربى منـذ نعومة أظافره مع ليلى العامرية، وأحّبَ بعضهم بعضا، ولما كَبُـر قيس تقدم لِخطبتها؛ فقُوبِل طلبهُ بالرفض من عمه، والسبب لم يكن واضحـًا، وتاريخ الأدب يقول أنه بسبب الشعر الذي كان يقوله قيس في ليلى، وبعد أن قُوبِل طلبه بالرفض، ظل يتنقل بين باديةٍ وأخرى، ويتغنى بالشعر الذي أخذ يكتبه في ليلى تعبيرًا عن حبه الشديد لها، فتنقل بين بلاد الشام والحِجاز واليمن وغيرها من بلاد الجزيرة العربية، وحيـن عاود ديار ليلى( باديتها)، رأى شيـئـًا طار له صوابه وقل عنه جوابه وزاد فيه ارتيابه، فقد رأى بنان ليلى يزينها الحنَّاء ويلونها بحمرته، وما أن رأى ذلك حتى جُن جنونه وحيرته شجونه، فقال يا ليلى ما هذا:.....؟

وكانت نساء العرب قديمـًا عِنـد اقتراب إحداهن من الزواج أو الخِطبة تضع على يديها الحنَّاء دليلًا على أنها قد أصبحت مرتبطةً بالزواج..

فما كان من ليلى إلا أن تقـول: ليـس شيء، وإنما هذا  دمي على الكف قد هطل من سحابة العينين فور رحيلك...

فتأسى لذلك قيـس وأنشـد يقـول:

ولما تلاقينا على سفح رامةٍ 

وجدتُ بنان العامرية أحمـرا 

فقلت: خضبتِ الكف بعد فِراقنا؟

فقالت: مَعاذ الله ذلك ما جـرى

ولكنني لما رأيتُك راحلًا

بكيتُ دمًا حتى بللتُ بهِ الثـرى

مسحتُ بأطراف البنـان مدامعي

فصار خِضابـًا بالأكُف كما تـرى.


وردت عليـه بلسان الحال قائلةً:

"ونشكو بالعيونِ إذا التقينا

فأفهمهُ ويعلمُ ما أردتُ

أقولُ بمُقلتي أني مُتّ شوقًا!

فيوحي طرفهُ أني قد علمتُ ...


يوم الزفاف في منتهى العفاف 

في يوم الزفاف الذي قد يكون أحد أو خميس، وهما اليومين المعروفين لدى الشعب اليمني في إقامة الأعراس، في صباح يوم الزفاف، يستيقض العريس لأخذه إلى إحدى الأماكن التراثية للترفيه، وتسمى( التمشية)، حيث يُمشى العريس لعدة مناطق ومنتزهات حتى أذان الظهر، واقتراب موعد الوليمة، وبعد الغداء، يتجه الضيوف والعريس لديوان معين أو صالة الأعراس لاستراحة المقيل، حتى قبل المغرب، وأثناء فترة المقيل، تُرسل أسرة العريس مجموعة يتصدرها أحد كبار الأسرة كشواعة إلى منزل العروسة.

في ليلة الزفاف وقبل مغادرة العروسة(قبل نزولها من الكوشة نحو بيت زوجها)، تبدأ الأهازيج، وتختلج المشاعر ويفيض الحنان من أوسع أبوابه، وفي ذلك الوقت الذي عادة ما يكون قُبيل وقت المغرب، يكون البيت منعجًا ومكتضًا بنساء الأهل والأقارب والجيران، فيبدأ السلام على العروسة، مع الزفة التي تملأ القلب حرقة، زفة ملكي الزفة، أيوب طارش ومنى علي، ومن لا يعرفهما في باديةٍ أو حضر، وحينها تسلم العروسة على أهلها وقلبها يعتصر ألما على فراقهم، فقد تغرورق العيون بالدموع، وتزيد الظنون بالقنوع من وداعيةٍ جميلة، ورضا جميل من الجميع على تلك اللؤلؤة المتزينة.

وتبدأ الصبايا والمحجرات بالزغاريد ،وتعتبر الزغرودة إحدى الموروثات القديمة، وخاصة من أيام الجاهلية، حيث يُعتقد أن الزغرودة تعمل على طرد الطاقة السلبية من الجسم، وتحفز على الشجاعة وتسعد النفس وتطربها، والزغرودة لها مسميات عِدة، فنلاحظ في اليمن أن اسمها" الزغاريد، أو الإحجار" فيقال: زغردي، واحجري، وفي بلاد الشام "الزغروطة" و"الزغروتة" أو "الهلهولة" وفي الخليج "اليباب" أو "الغطرفة"، وتعرف في المغرب باسم "الزغاريت"، وتعني صوت الولولة والفرح بالإشهار.

وبعد وداعية الجميع للعروسة، في العـادة، كان والد العروس يودع ابنته بالعبارة الآتيـة: "أيسرت وأذكرت ولا أنثت، جعل الله منك عددًا وعزًا وخلدًا، أحسني خلقك، وأكرمي زوجك وليكن طيبك الماء..."، وذلك في حال تزوجت من أحد أقربائها، أما إذا تزوجت بغير القريب فيقول والدها: "لا أيسرت ولا أذكرت، فأنك تدنين البعداء، أو تلدين الأعداء، أحسني خلقك، وتحببي إلى أحمائك، فإن لهم عينًا ناظرة إليك، وأذنًا سامعة إليك، وليكن طيبك الماء...".

ولم تكن للأم في ماضِ العرب، رسالة واضحة غير أنها تذرف الدمع، وتبدأ مُجهشةً بالبكاء، وتقول في نفسها: كونِ أصيلةً وفضيلة، ولا تكونِ وضيعةً وذليلة، وأحمِ بعلكِ في مآقيك، واسقيه الشهد من وجنتيكِ ومآقيـك، ودواليـكِ أن تعصِ له أمرًا لا يُغتفر، أو تنسِ أمرًا يُشتكر.

ولكن ذلك وتلك النصائح كانت من ذهب وقد ذهبت، وزمانها ذهب، أما اليوم فالعادة أن، توصي والدة العروس ابنتها بوصايا خاصة قبل زفتها الأخيرة ورحيلها، "كحسن السمع والطاعة للزوج، والتفقد لوقت منامه وطعامه، والحرص على ماله وحسن التدبير والتقدير في بيته وأولاده، وعدم إفشاء أسراره، وما إلى ذلك، من وصايا سجية تنتفع بها"، ولكن بين حالٍ وحال يتغير البال، فقد نجد أن الوصايا تغيرت، وتركزت في حيثيات مادية ومصلحية لطرف واحد، فقد تقول الأم لابنتها قبل وداعها بلحظات،أو حتى قبيل الزواج بأيام معدودة:( انتبهِ لنفسكِ، وأول ما يدخل عليك اسأليه الفتاشة، وما تفتشي إلا وقد أعطاكِ، وانتبهِ الذهب خبأيه بالدولاب، وخبأتِ المفتاح تحت المفرشة، ولا تتمهريش زيادة، وكونِ أُكلِ وانتبه لصحتك، ولو قلب فوقك صورة، أقلبِ عليه ثلاث صور، ولا تسكتِ عن حقك، وهـلم جرا، من نصائح هذه الأيام، ويا دار ما دخلك شر، ومن هنا سجل يا قلم ولا تظلم أحد، فهناك بعض من تبحث لابنتها عن الاستدامة والاستقرار، وليس الإهانة والاستضرار، فتنصحها نُصحًا محمودًا، وتُزكيها وتدرسها أساليب الصبر والتحمل، والمعروف والتجمل، فهكذا الأم تصنع رَبّة منزل، وليست عروس علاها الدلال، فظنت بنفسها الكمال، حتى كان لها وقتًا قصيرًا، فلا كانت زوجةً سعيدة، ولا أضحت تربي العيال. 


وفي يوم استقبال العروس، تستعد أسرة العريس بكل محبة وبشاشة، للاحتفال بالموفود الجديد للمنزل، فتقوم أم العريس بتجهيز المشقر للعروسة، وحتى تقبل العروسة تبدأ الزغاريد والرقص والطرب من عائلة العريس، وذلك لادخال الأُنس على قلب العروسة، وتشجيع العريس بنفس اللحظة، هذا ويتم ويقوم شواعة العروسة بايصالها لمنزل العريس، ويرافقها عادةً الخال والعم، والإخوة إن كان لها إخوة، ويودعونها بالسلام بعد إجلاسها على الكوشة، هذا ويتم استقبال الشواعة، وهم وفد من أهل العروسة وكبار الضيوف من أسرتها، وتقدم لهم عادة ذبيحة كعشاء مع بنت الصحن والعصير، وقبل مغادرتهم يتم إعطائهم دعايات في داخلها محبوب كل يمني( القات)، وفي بعض العادات يجلس الشواعة ثلاثة أيام كضيوف، ولكن هذه العادة بدأت تنتهي خاصة في المناطق الشمالية، هذا وبعد استقبال العروسة ورحيل الشواعة، يتم ختام ما قبل الدُخلة، فتتم طقوس احتفال بسيطة، فعندئذٍ تبدأ فقرة جديدة، حيث يقوم العريس بكسر البيض البلدي، وتُضحى الذبائح من “الغنم أو البقر” ذلك يكون بحسب القدرة المالية للأسرة اليمنية، وبدم الذبيحة تبلل العروس أخمصي قدميها، وقبل دخولها منزل زوجها، تغسل قدميها، وتضع قدميها على صحن مملوء بالحناء، وأثناء انغماس قدميها بين الحناء، تُغمض عينيها وتقرأ الفاتحة مع زوجها، وبعد قراءة الفاتحة، وقبل دخول العريس وعروسته للمنزل أو غرفة البِناء، يتلقى العريس الضرب على ظهره من أقربائه، وهي عادة يراد بها نزع الخوف من العريس، ويستعد العريس للضرب بكل رحب وابتسامة.



ليلة الحناء للعروس

في الليلة التي تسبق ليلة الزفاف ومنتهى العفاف، تجتمع أُهلة العروسة مع صديقاتها والجيران، في أجواء احتفالية، للفرح بالعروسة، وتبدأ الزغاريد والمُحجرات بالزغردة، وتقوم الصبايا والفتيات بالرقص مع العروسة، وفي بعض الأحيان، تُلقى محاضرة دينية للنساء من إحدى العارفات بالله تعالى، تقوم فيها بتذكير النساء ببعض الأمور الهامة، فهي فرصة حين تجتمع النساء، وفي هذا اليوم يكون يوم الاعتزاز من قِبل (أم الحروية)، فرحيل إحدى بناتها، يجعل النساء تنظر لها بعين أخرى، يعني خلاص كبرت وقريب وتوقع جدة، فتكون أم الحروية مثل (العِشمال)، تسلم على الضيوف، وتقدم لهن الضيافة، ومن مكان لمكان، تتحرك كثيرًا وتخدم الجميع، وترقص وتزغرد، وهذا كله من لتعلـن وتعبر عن فرحتها لابنتها، ومن جهة أخرى تثبت بأنها ما زالت قوية، وفي هذه الليلة تلبس العروسة عادةً أكثر من لباس بين المُودة والقديم، وعادة ما كانت النساء قديما تلبس العرائس، زي تقليدي مع بدلة فضة، تعكس الثقافة والفخر بالزي الشعبي، ولكن حاليًا، تلبس العروسة فستان أبيض أو سكري أو أي لون، حسب تفضيل العروسة للألوان، فلا يمكن لأحد أن يمنعها من أي لون، لأن الجميع يلبي لها أي طلب قبل رحليها، وما أحد يزعلها بأي شيء، وهناك اختلاف في اللبس في بعض المدن اليمنية،ففي تعز مثلًا تطول أيام الزفة، ويكون هناك أكثر من زي، في أكثر من حفلة، فهناك حفلة بلبس صنعاني، مع لبس الفضيات القديمة، وهناك حفلة بيوم لبس صبري لملامسة تراث تعز في القميص والمشقر، وهناك حفلة توديع العزوبية بلبس فستان الأبيض، وفي صنعاء اللبس الصنعاني من إرث صنعاء بنت سام، ولبس آخر هو الشائع وما يعرف بفستان الفرح.

هـذا وبعد لبس فستان الزفاف، عادة ما يقوم أهل العروسة بأخذها إلى المكوفرة لكوفر شعرها، وعمل أشياء أخرى كمستحضرات التجميل، ولا بد أن تكون العروسة قد تحنأت وتنقشت وخضبت الأنامل وكحلت المحافل.

أما في الماضي فقد كانت ليلة الحناء ليلة حزينة لدى العروس وأهلها، فتخللها الأناشيد والمواويل والأهازيج الحزينة؛ وقرعة الطبل وصوت المواويل المُبكية لأم الحروية بالذات، وتشعر العروسة بالتضجر من تلك الحالة؛ ولكن اختلف هذا الزمان كثيرًا عمّا كان في السابق، فجاء الجمل بما حمل، فقد أوجدت أشرطة الكاسيت، والذواكر المليئة بأغاني الطرب، وأوجدت المسجلات العملاقة، والكُوش الجميلة والتزيين الرائع في تحضير مكان فرحة العروسة، هذا وتستمر الفرحة حتى وقت متأخر من غروب الشمس، وأحيانًا ما قبل منتصف الليل، فهي بمثابة فرحة لن تتكرر، فتسمر العروس مع صويحباتها وبعض أهلها من أقرانها، ويبدأن بسمرة أخرى، بينما أم الحروية مشغولة إما بالحديث مع ضيوف البلاد، أو بالعمل والاستعداد لليوم التالي، أو مطننة( مفسرة)، يأكل من ذوائبها الهم، ماذا وكيف ومتى، تحاكي عقلها في لغة البرمجة الأحادية المزدوجة.


سمر العريس 

ليلة ما قبل الزفاف، تقوم أسرة العريس بالاعداد لسمر معين، لادخال البهجة والسرور على قلب العريس، ولكي يراه الجميع مبسوطًا في فرحته، فيذهب العريس عادة قبل غروب الشمس في وقت الأصيل تحديدًا، للتنعيم في صالون الحلاقة، ثم يرجع لارتداء ملابسه التي تكون عادة في ليلة السمرة هي بدلة رسمية، وفي بعض المناطق من جنوب اليمن يتم لبس زي تقليدي قديم، وبعد أن يتهيئ العريس للسمر، يبدأ السمر بزف العريس إلى الكوشة التي تكون إما في صالة أفراح أو في الشارع أمام المنزل، أو حتى في أحد دواوين الجيران الكبيرة، وما أن يجلس العريس على الكوشة، حتى يقوم للسلام على الضيوف، والأصحاب والأحباب، وتبدأ التهنئات، وفي زمنٍ لم يطل رحيله، كانت عادات الرمي بالرصاص من أكثر العادات إلتزامًا، بتأديتها كعرف في أي قبيلة؛ ولكن الآن ربما يمكن القول أنها بدأت تزول، لأنها تسفر عن جرائم كبيرة، وهدر لأرواح بالغلط، من خلال الرصاص الراجع، أو حتى من الاستعراض في إثبات الرماية من أصول التراث والحكاية، وبعد الانتهاء من السلام، يبدأ الرقص والطرب وتتنوع الفنون في الرقص، ما بين الشعبي المعروف بالبرع أو اللحجي أو الصنعاني، أو الرقص الخليجي والأجنبي، وهكذا يتخلل هذا الفرح سعادة كبيرة للعريس، ويكون من أسعد أيام حياته، فتراه بشوش وفي ابتسامة جميلة، ويرقص لنفسه ويسعد بفرحه.


اللحظة الأولى لاجتماع الزوجين في ليلة الدخلة:


بعد أن يدخل العريس والعروس، لمخدعهما، يبدآن بدعاء ليلة الدخلة، وبعد أن يكملا الدعاء، يأتِ العريس ليفتش لعروسه، ولكنه يُفاجئ بطلب جديد من العروسة، نعـم! 

إنها تطلب بما يعرف الآن( حق الفتاشة)، وهي عادة جديدة في الزواج اليمني في مناطق كثيرة، وتأتِ العروسة بكمية معلومات هائلة من أهلها، والمسكينة لم تعرف زوجها بعد، فتنهل عليه بالطلبات، وعادة يوافق العريس على إعطاء مبلغ معين حسب ما يملك، وأما البعض فيقول: "موهو" ايش تشتي ماء، عصير ؟من حق أبو يمن يعمل نفسه ما سمع، ولو سمع يقول ما اتفقناش على حق فتاشة ....

وبعدها تبدأ العواطف الزوجية والحنان، والرومانسية، والانسجام والوئام، والود والرحمة يُخيم على العريس والعروسة، ولكن في غالب الأحوال يسود حالٌ حال آخر، وهذا بسبب انعدام الثقافة للزوجين خصوصًا، وضعف التعليم عمومًا، وقدّ يصل المرأ في هذه الليلة باحثًا عن الجانب المادي( الجسد)، وفي ليلةٍ يسود فيها الخوف على هيكل وعقل عروسته، التي ربما أخافتها صديقاتها، عن صعوبة هذه الليلة، التي هي ليلة الخير واكتمال الدين، والأصل في هذه الليلة أن يسود الحنان، والدفء والانسجام، وجو راحةٍ بعد كل الإرهاق الذي يحصل لكليهما، من تعب تحضير، وهمَّ وتدبير، وأشياء أخرى كثيرة. 

الخاتمة

وبعد كل هذا وذَاك، وهذهِ وتِلـك، أمكن القول:الحمد لله على نِعمة الإسلام، والحمد لله الذي جعله الدين الأوحد ــ ففي كل تلك الطقوس قيمة في تكوين الود والرباط الأسري، فلا مُضامدة ولا مُخادنة، ولا استبضاع ولا استمتاع، والحمد لله الذي حرّم كل ذلك، لما فيه الانتفاع للنفس، والتأصيل للروح، والسماع للشرع والشريعة الخالدة، والانصياع لكل ما فيه نفعٌ وفائدة، للمجتمع الإسلامي، والآدمية جمعاء.


الكاتب/تامر التويج 














تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب