لماذا تفشل قصص الحب؟

لماذا تفشل قصص الحب؟ 

للكاتب/ تامر التويج



مقدمــة:-

إن أي عادات وسلوكيات يُبديها المجتمع وينشط عليها، لا شك أنها تُشكل واقعًا كبيرًا من هُويته ونظامه وقيمته، ولا تتعدى هذه السلوكيات والعادات إلى أي مفهوم يُحكم به من بيئة خارجية، بل قد تكون المظاهر هي أبسط الخُدع التي تمارسها المجتمعات، بعيدًا عن حيويتها والاعتراف بها، وهذا ما يخلق حالة جـدل في واقع المجتمعات التي ما زالت ترتدي عباءة الحُمق ورداء الجهل.

ولهذا سنحاول بث الحقيقة بطبيعتها وطابعها المنطقي، ومن شأن ذلك المنطق وتلك الطبيعة أن يكون الاعتراف بإحدى الحقائق هو من أوائل المسلمات في ظاهرية وباطنية حياة المجتمعات.

دعونا نُسدل السِتار شيئًا فشيئًا لنرى خيوط الشمس من أي كُوةٍ تنبثق في ظلامٍ سطا عليه الدُجى وأعتم حاله، وأبدل نجومهُ بقناديل خاوية من زيتها، وليس لتلك الخيوط أن تكون دائمةً وهي تحاول اختراق الجُدران الصامتة، بل تستمر تارةً، وتارةً أُخرى تحاول التسلل وهي مُتخفية وخائفة، وكأنها في حالها زائفةٌ تريد أن تتحسس مواقف الجدران بين أوانٍ وآخـر، ثم تتُقرر التَّأنِ، ثم تزيد في التأجيل، حتى تُناهز الدهر عُمرًا وهي يائسة وناكسة، ومُطرقةً وعابسة ببريقها المتوهج والمُضيء في حضرة الكون العظيم...

وهكذا هو الحب، قد يموت بين الجميع، إذا وجد قلوبهم كالجدار التي ليس لها كُوة، فيحاول ويحاول أن يجد فرصةً أخرى، لعل هذا الإنسان يرق قليلًا ويفتح في قلبه مشكاة حب وكوةً يُحط فيها وسام الحب، فإن قاوم الإنسان خيوط الحب يومًا بعد يوم، ودهرًا بعد دهر، حينها، إما أن يقف عاجزًا أمام نسائم الحب ورقته، أو يجد نفسه مثل الحجر قاسيًا وناسيًا بأنهُ إنسان من حقه أن يُحب، ولكنه يأبى حتى يكون الحب منه في يأسٍ واضح، وطريق شارعٍ له بمُذكرات الندم، ولست في بياني هذا أدعو إلى سفه الحب وطيشه، بل أدعو إلى الحب العفيف الذي يجعل للحياة قيمة ويرفع من همة المُحبين بأن يكونوا بُسطاء وليسوا نُشطاء في طلب دوافع الشهوة الجامحة التي جعلت من الحب فلسفةً مادية وأسطورةً عادية، ومن هنــا...

أيقن أن نقول: بأن الحُب هو أسمى ثقافة حضارية على مر عصور التاريخ، والحب هو أعلى قيمة شعورية وحسية وصل لها معظم البشر، إن لم يكن كلهم؛ فالحب هـو بمثابة النظام الذي تعيش وتحيا عليه المجتمعات الحديثة في رُقيها الفكري بعيدًا عن مادية الحب الحمقاء، بل ويعتبر الحب هو المحور الأول لأساس التعايش الإنساني والبشري، وهو الحالة المُثلى التي تحاول المجتمعات الوصول إلى قمة ذُروته وكمال حُجته، فلا شك أن الحُب يُقاس به مدى نُضج العقلية الإنسانية من عدمها، في الوعي والعاطفة والرُقي الفكري والإدراك في البصيرة والتبصُر، وقد نُجزم بأن الحب هو مُرتكز تقوم عليه أولويات الإنسان للبقاء في هذه الحياة، وحتى لا نُسهب في الأمر، سنستعرض الموضوع بأسلوب بسيط، فمحور حديثنا سيكون في إحدى حالات الحب المتعلقة بطرفين إنسانيين، هُما الذكر والأنثى، ولن نتحدث عن أنواع الحب الكثيرة.

وسنتطرق في هذه المقالة، إلى حالة الوقوع في الحب، لأطرافٍ ناضجة، وأطراف أسيرة تقع ضحيةً لضنى الحب، وطريدةً لملمات الدهر التي تدق الترائب وتقطع الوصل عن روح الحياة.


هــذا ولـن نتطرق لأي أسباب تُفشل قصص الحب من المجتمع الخارجي، أو المجتمع الأُسري، كالعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية، أو الضغوط العائلية والأُسرية، بل سيكون البيان مُفصلًا عن طرفي الحب فقط، وسنستعرض في ذلك: بدايات الحب، والوقوع في شباكه، والاستسلام أو مواصلة الغرام حتى آخـر الارتباط في الود والوئــام، أو الموت قبل الوصول للمرام.

وبما أن حديثنا عن قصص الحب، فإن المصطلحات الفصيحة والصحيحة في اللغة العربية، لن نستخدمها بكثـرة، وهي مُفردات تُعبّر عن حالات الحب ومراحله التي يصل إليها أهل العِشـق، مثل) الهوى، الغرام، الهِيام، الشغف، الوله، الاستكانة، الود، الخُلة، الوصب، النجوى، الصبوة، الوجد)...

قصة الحب! 



هي علاقة مشاعرية، وعاطفية، وإحساسية، وجنونية نوعًا ما، تستقر في إحدى مراحل الحب، ولا يمكن أن تنتقل لمرحلة أخرى، إلا بتطورها الذي قد يكون في شريعتنا السمحاء محرمًا، ومن ثم تنتقل قصة الحب إلى مرحلة يكتنفها الغموض، ويُخيّم عليها شرود التفكير المنطقي بالنسبة للمنطق قبل منطق الحب، وشرود التفكير العُجافي والساذج في منطق اللامنطق.

ومن هذا الباب سنُبين لكم في هذه المقالة، الأسباب الحقيقية؛ لفشل قصص الحب، بأي مرحلة كانت بين العُشاق، ونوضح هيكلية الحب حتى آخر وهلتين لانتهاء قصة الحب بين العاشقين وذلك لصنفين أو نوعين من الحب. 

الحب الناضج بين طرفين متساويين في مستوى التفكـيـر العام، والحب اللاعقلاني بين طرفيـن أحدهما أناني، والآخر ضحية طيشه والمعاني).

ولن نشرع في الحديث طويلًا؛ لأن العِلـل جمَّة وعظيمة، ولكن سنعطي كل مشكلةٍ سببًا حقيقيًا، وليس مجازيًا من باب الاستطراد والخيال، والمجهول والمُحال.


حالة الحب الأولى

 تترك نظرة الحب مشاعرًا فوضوية في التفكير، ويكون فيها حيرة تامة في منتهى الشرود، بل وتغيرُ سام على الشخصية، فقد تجعل تلك النظرة أحد المحبين يرمي كل أوراق التحدي في واقعه المرير، والذي أفتقد فيـه معظم فتراته إلى لحظات الحبيب ونسماته العذبة، فقد عاش وخاض معارك الحرمان الغير مفهوم في نمط حياته وشخصيته البسيطة والمعقدة من بيئته وقبيلته، ولكنه سيترك كل شيء وراءه، فهذا الحب لا يعرف شيء، فها قد أتت من تلون قلبه وتُضيء دربه وتحييَّ آماله، وتكشف كربتهُ الجامحة وروحه الطامحة؛ لأن لا يكون وليـدًا للمعاناة ـــ وهكذا حال الحبيبة من تلك النظرة التي قد تكون بمثابة السهم الذي يُصيب الفريسة، والرمح الذي يُوقعها أرضًا، فتقع صيـدًا ثمينـًا، ليس لتُأكـل ويُنهش لحمها بل، لتُسرق من نفسها وتكون حبيسة فـؤاد من أسرها في نظرته، وعقد على قلبها الغض والمليء بالدفء والحنان، عُقدة بداية قصة حب جديدة، وعندها تكون الحبيبة في شغفها وإثارتها اللذين يقف العقل حائرًا منهما في موقفٍ كأنه حُلم.

وقد يجمع العشاق المكان، والزمان.

فكيف سيلتقيا؟ 

وكيف سيجمعهما القدر للحديث؟

لا شأن لنا بهذا، ولكن لنعرف فقط: أن الحب إذا كبرت أشواكه، كانت أوجاعه أكبر وأعلّ وأعلى.

فقد تكون هذه العاشقة؛ لأول مرة تلتقي بـه على طاولةٍ فيها من تحديات الحب الجنونية والخيالية، والتي قد تجر الندم على كاهل وفؤاد من يفكر بالخيانة. 

ولكن وهي تحاول تفسير لقاءها الأول مع حبيبها الذي لم تعرف عنه شيء، جعلها تتسابق مع شغفها وبنات عقلها اللائي سددن طريقها بالعقبات المضنية، على روحها ومُهجتها المتطلعة، لخوض هذه المعركة بالثقة التي ستجعلها مُتحكمةً بزمام السيطرة في طاولة الحب الحمراء. 

وماذا بعـد، سيلتقي عاشقان لا يعرفان عن الحب شيء، وربما كان من الصواب عليهما ألا يذبحا نفسيهما بهذا الخنجر المسموم والمشؤوم عُقباه.

ولكنها النفس، تُتعب نفسها، وتُهلك الروح معها، فحال العاشق الذي لأول مرةٍ سيُقابل فيها آنسـةً جميلة، على طاولة العشاء ورقعة رسوم الحب الآسرة، سيأخذهُ لعالمٍ آخر، فما أن يراها حتى يكون بحالةٍ هيستيرية، يُكابد فيها الشوق ويُداعبه بذاته، كأنهُ طِفلٌ في الثالثة من عُمره، يبحث عمن يحتويه من أقربائهِ وذويه.

مشاعر مزيفــة







 


قد تستمر قصة الحب فترة طويلة، حتى تخف ظنون الحب، وهذا من أجل أن يتحول الحب إلى حالة ارتباط وثيق ومعهود على الشفافية، ولكن إحدى العاشقين يتضح تفكيره وتصوره، وتتضح قرائته لأمور الحب، ومن هنا تحتم القاضية على أحدهما بالندم، والآخر باللامبالاة، وفي مثل هذه القصص من الحب، يأت وقت من الأوقات!، تقترب الحبيبة من حبيبها الذي أحبته وعشقتهُ وتقول لـهُ: حبيبي لماذا لا تتقدم لوالدي، أو لأهلي وتطلب يـدي؟

هذا السؤال هو نقطة بث الحقيقة لعقولكم، وسوف تعرفون كم له من واقعية في مجتمعنا.! 

فبعد أن تسأل العاشقة حبيبها المجازي بهذا السؤال؟ 

يتلخبط المسكين، وربما يخاف كثيرًا من هذا السؤال؟ ليس وحده فقط، بل هناك الكثير والكثير من أمثالِه مِمن يخافون من هذا الطلب، الذي يكون من تلك الأُنثى التي أحبّت بصدق، وتمنت لو كانت رجلًا ليومٍ واحد؛ حتى تطلب من أحبتهُ من أبيه أو أخيه... 

فنجد أن مثل هؤلاء الشباب، الذين يزعمون بأنهم يُحبون، يتهربون من هذا السؤال تهربًا عجيبًا، ويضعون تلك الروح البريئة ضحيةً لعواطفها وطيشها، ورقة قلبها، بل قد يعتبرونها حمقاء، لأنهم لم يحبوها بإخلاص... 

والمنطق يكون؟

يتهرب منها، ويحاول ابتكار الأعذار، ورمي الملامة على الأقدار، فيلومها قبل أن يلوم نفسه، ويخدعها، وكأنه يبتزها عاطفيًا إلى حيث يريد وهي لا تعرف، ثم يتوقف فجأة ويقول لها: لن نُكمل المشوار، فارجعي مِن حيث أتيـتِ؟

فتـرد عليه وتقَـول: ولكني لا أعرف الطريق، ولا أعرف كيف أعود، فأرشدني الطريق، لأرجع حيث كنت، أرشدني فإني أخاف أن أظل الطريق، أخبرني كيف أرجع إلى عالمي السابق؟، فيقول لها: هذه المحطة صعبة عليَّ، ولا أقدر على السفر فيها معكِ.

ولكني سأغير طريقي وأركب محطة أخرى، أرى فيها مستقبلي.

ثم ما يلبث أن يهدم عمرانها، ويغير خريطتها، فيركب القطار ذاهبًا في رحلةٍ جديدة، هي رحلة الزواج؟

ولكن من دون محبوبته الأولى، نعـم، فقد أحبها متوهمًا، إلى أن وصل إلى المحطة الأخيرة، ولن يستطيع أن يُكمل معها الطريق، فيبحث عن غيرها، ويتزوج غيرها، وكأنه يقول، بلسان حاله: تلك للحب، وتلك للزواج، وأنا ابن قبيلة، وهذه ما لها أمان ولا ضمان.     

تلك الحالة الأولى التي تتضح فيه خيانة المحب لحبيبته، وأما الحالة الأخرى.

النوع الآخر من الحب










 

فهذان عاشقان يُضاهى بهم قصة حب عنترة وعبلة، وقيس وليلى، والتي كانت قِصص حُبٍ روحية، وهذا النوع من العُشاق، عادة ما يكون متوازن في التفكير، ويمكن القول، أنهُ الجانب المتعلم من العُشاق، فقد يكون العاشقان يدرسان معًا في جامعةٍ واحدة، وكلية واحدة، وقسمٍ واحد، بل ومستوى واحد.

فيُحب كلًا حبيبهُ بصدق وإخلاص، ويتوهان في عالم الفيض المشاعري، ويلتمس كُلًا قلب الآخر، فلا يُفكران إلا بالحب، والوفاء، والبُعد عن الزيف والجفاء.

ثــم مــاذا؟

قد يطول ذلك الأمر لعام أو لعامين، ويتطور ذلك الحب شيئًا فشيئًا، وقد يقترب لحدٍ كبـيـر، حتى يربط قلبين، أو يُضيع إنسانين.

قد يكون الحب مجرد حب وشعور فقط، وليس بالضرورة أن يرتـقِ هذا الحب لدرجةٍ سامية، فقد يكون أحد الطرفين له مصالح عاطفية، وأمور أُخرى، فيسرق تلك الروح مِن كل مَن حولها، ويُظهر لها كل الحب العميق، فتفرح المسكينة به، فتراه مناسبًا لها، وأنه من سيحميها، ويحقق لها أحلامها.


هذا ويسبب ذلك الحب فجوة عميقة في قلوب العاشقين، ولا يمكن علاج تلك الفجوة إلا باجتماع الجسد والنفس والروح في مخدعٍ ومضجعٍ واحد، فأثر تلك الفجوة قد يجعل ذلك العاشق غارق في متاهات التفكير، وجنون التحيير، وربما وجدت تلك العاشقة قد أصابها الهُلاس والسُلاس، وقد تلاحظ أنه قد طفح وطفا الندم فوق عقولهما وخيّم، وتمكن من فعل فعله، وترك تأثيره المزدوج، والظالم لفؤاديهما في أزمة الوقوع والدخول في قفص الحب ♥.

وبعد كل ذلك الإحساس الذي يُشعل النار بقلب الحبيبين، تتجه البوصلة لتؤشر في تكوين العلاقة الأعظم، وهي علاقة الرحمة والمودة.

وهكذا يستقر الحبيبين ويتفقان على قرار الزواج، لبداية مرحلة جديدة في تفاصيل الحياة، فيتزوجان ويبدآن بحياة الجسدين في روح واحدة، في علاقةٍ فيها الحماس والالتماس على قُبلات الحب ومشاهده الرائدة...


ما بعد الزواج! وتغير اتجاه المسار العاطفي! 









يتغير تفكير الزوجين كثيرًا، بعد الزواج، فتلاحظ أنهما معًا أبناء قسم وكلية واحدة، وربما كانت الزوجة هي المتفوقة في الشهادة العلمية، وهذا ما سيجعل صبرها محدودًا بعد الزواج، إذ ستطالبه بأنها يجب أن تعمل وتضع بصمتها في العائلة بمنظور اقتصادي، ولكن زوجها وقبل أن تُسدل الستار يأتيها كل مرة من أبواب متفرقة، حتى لا تركز على أسلوبه، في التعامل معه.

وقد تصبر لعامين أو لثلاثة، أو حتى خمسة أعوام، لكن صبرها لن يطول؛ لأنها لا تريد أن تظل حبيسة الجدران، فيكون الضرب بالمطرقة لها، والنتائج وحصاد كل شيء لزوجها وحده.


وحتى لو أنجبت منه، فلن يكون لذلك معنى في حياتها، صحيحًا هي أم، ولكنها إنسانة طموحة قبل ذلك، صحيحًا هي زوجة، لكنها قبل ذلك أنثى تمثل ثلثي المجتمع، وتريد أن تضع بصمتها وتبرز دورها في بناء ونهضة الأسرة قبل المجتمع، والمجتمع قبل الدولة، لذا هي ترى في لازم الأمر بأنها يجب أن تُقدم العون لبيئتها وعائلتها، وإلا فلسان الحال يقول ناطقًا عنها: لماذا درست وتعلمت وصبرت ورابطت جأشًا، وسعيت وصنعت عرشًا؟ هل فعلت ذلك لأقف في سكون، كلا وكلا...

ومع كل هـــذا

قد تجد زوجها يهمشها دومًا، ويتجاهل الإجابة عن أسئلتها، ويتحجج ويتبجج، بحيث يحاول تمكين البرهان في قضيته، حتى تذوب كما تذوب الشمعة، وكما قلت لكم لن يطول الصبر.

ومن هنا تبـدأ الفجوة الكبيرة، ويبدأ النزاع، وتتحول تلك الفجوة لأزمة عاطفية ومشاعرية، وهيهات إن حدثت الأزمة العاطفية بين الزوجين، عندها لن يكون هناك اكتراث لأي شيء، ولن يمنع تسيب مشاعرهما أي حد، لأن ذلك قد يتحول لحرمان يؤدي لزعزعة الكيان الأسري، وهذا الحرمان تحديدًا مرتبط بمصلحة معينة، وعلى وجه التحديد تكون مصلحة شخصية(ذاتية)، فهذه لا شك إحدى نتائج الحرمان المبدئي، ونهاية لمسألة الكبت، فما يدفع تلك المسكينة لمطالبة زوجها بكل تلك الأشياء(العمل، الرأي والمشاركة الاجتماعية، إثبات الذات، إبراز الشخصية، أخذ القرارات في منعطف خطير)، كل ذلك تطالب به الزوجة الضعيفة، نتيجة الحرمان الذي قد يطغى على واقعها، كإنسانة تملك مؤهلات علمية وخبرات فنية، لا بد أن تشعر بأهميتها على أقل تقدير.


الاكتفاء والجفاء العاطفي في عُش الزوجية 












إن تدفق المشاعر الكبير قبل الزواج، أو قبل الكلمة الجدية بالارتباط الحميمي، سيكون له أثر سلبي على حياتهما.

فقد يجد العاشق أن محبوبته تغيرت، وقد تجد العاشقة أن محبوبها بشخصيةٍ أخرى، غير ما رأته عليه في السابق.

وهذا في حقيقة الأمر طبيعي، ولا يمكن التعجب منه، بأي صيغةٍ كانت، أو طريقة هانت.

فقد تلاحظ مشاعر ذلك العاشق في بادئ الأمر تتدفق كأنها شلال، فتراه ينوع في الكلمات الجميلة، ويُطيل في حنيته، ويُظهر كل الجوانب الإيجابية في شخصيته، حتى تُعجب به ويزيد تمسكها به، فتقول في نفسها: هذا فارس أحلامي، هذا سطوري في كتابي، ونبراسي وأقلامي.

وربما وجدت تلك العاشقة في بادئ الأمر، تتلقى ذلك الشلال المتدفق نحوها، بالمشاعر الطيبة والملونة، كأنها أرضٌ قاحلة ويابسة، لا يرويها إلا شلال حبيبها، المُمتلئ بالحنية، فهي لم تعد تفكر بشيء غير معشوقها. 

فبعد الارتباط الصادق بين القلبين، يدوم الحال على زمنٍ لا يطول حبلهُ في معظم الأحوال، فقد تجد الزوجين، في غير الاتجاه الذي كانا عليه سابقًا ، وهذا بسبب الاكتفاء، والنُضج المشاعري الكبير، الذي حدث في الماضي، ففي الحال التي تكون فيه الزوجة قد انجذبت بكل جوارحها ناحية حبيبها الذي أسرته ظروف أخرى غير الحب، فهي تتمنى أحيانًا بعد الزواج، لو تهنأ بقربه للحظات معينة تخبره عن روحها وطموحها، فقد تتمنى كل ذلك، فتفدي حياتهُ بروحها التي تموتُ منها برحيله، وعلى أية حال إن اعتلت روحه أبواب السماء، فهي ستجد نفسها دومًا، بأنها التي خبأتهُ بين أضلعها، وفي هندامها الفضفاض، حين أوشكت البراثين أن تقتلعه منها، وهو في ظرفه الصعب وفي عمله وتفكيره بمستقبله، يدع قلبه من يفكر بالعاطفة الزوجية، فيهملها كثيرًا؛ لأن لديه أهداف أخرى تتعلق بالمستقبل، والوظيفة وهلم جرا، نحو هذا القبيل، وذلك المثيل.

وكأن قلبه في ترحال نفسه، وعلى تمسكه بخيط الفتيل، سيقـول: أما آن للبال أن يصفو، وللنفس أن تهـدأ؟، ولكن هيهات أن تُجيبه روحه؛ لأنه قد كُتب عليه ذلك، فلم يعد يملك لتغيير طموحه من سبيل، فأحلامه تكبر مع كل لحظة يعيشها، ومع أن زوجته تبحث عن أحلامها أيضًا كمتعلمة، فهي درست مثله، واجتهدت مثله، ولكنها تظل حبيسة الجدران، بينما هو يطير به الخيال، لأن يحلم ويتقدم، فترى مرامهُ يحاول أن يسكن في تلك البلدة الجميلة، وارفة الظل، وعبقة الأنسام.

فكأن أحلامه تقول له: أن بلدًا ما سيتجمل بقدومه، ويصفو بوفوده؟ فما الذي ينتظره هناك؟ أهو الحُلم المحقق، والجاد في مطاردته في حلبة المعاناة والظروف؟، أم الأجل المُنبعث من بين الركام والآجام؟

فلا شك أنه لا ينتظر سوى مخاض أحلامه لأنغامه وأنسامه، ولكن هل لتلك المشكلة، أن تلد له الأنين والونين، والسهد والكمد، فقد تلوح بوادر الحكاية، أن يعدل عن قراره، ويتَّجه حيث ساقه قدره وشاء له مصيره، فما يلبث أن يجمع ويستجمع قواه، إلا اعتراه واعترتهُ الويلات في مشواره، وبُعث في طريقه شرارات ومرارات الويل الذي بعث وصمـا في تأنيبه وتهذيبه، ومن هنا كأن كل ذلك حُلم. 

فربما لم يكد يستفق من فراشه، حتى وجد زوجته تطالبه بأن تعمل وتتوظف، وهو يحاول الهرب، والتحجج بالأسرة والأعراف، والدين والأحناف، وهكذا يظل يزاول مهنته دون أن يعترضه أحد من رؤساء وأعيان القوم، الذين كانوا ينظرون إليه بعجبٍ واندهاش حين زوجوه من طلب.


عتاب ولـوم 

يبقى حال الحبيبة الكئيبة في حال الزوجة الشجاعة، التي تقرر أن تقف بجانب زوجها، وتُعطيه مبلغـًا من المال، بل حتى تبيع له النفيس والحبيس، وحتى يتسنى له القيام بالبحث عن مستقبلهما معًا، الذي فقدته في وميض الذكرى وحالة السرحان والتوهان، وربما ينضوي به نسيم معلول ومهندُ مذبول في عزمه وحسمه.

فلما بلغت مداه وأقصى منتهاه وجدت عنه سبيلًا وطريقـًا طويلا،وعلى مصراعيـه ماجت وهاجت فيه الفتن وأوغلت في المِنن عن المحن وزلاتها الكبرى...

وكأنهُ كان شيخـًا طاعنـًا في السن، ولم تكن له بصيرة فيما يقول ولا صريرة بما يجول، فما تراه إلا عاكفًا أو ماكث، فلا منظور الغابر، ولا مغمور الحاضر..

ويمضي الحال وراء كل شيء، ولكنه يظل متمسكًا بقراره، بأن يكمل مشواره، دون أن تساعده في أي شيء أمام المجتمع، فقد كان قبل زواجه منها، الحبيب المتغزل في سحرها وجمالها، وبعد الزواج، كأن حاله كشيخ الدين الذي لا يغفر الذنب ولا يستصيغ سماع شيء ينظر فيه في فك شفرته.

وفي ذات الوقت يستحيل عليه أن يمكث كل هذا الوقت، وهو يجثو ويحبو نحو عرشه وفرشه، الذي يحلم به في نومه وصحوته، في مجده وكبوته، لكن لم يأن الآوان بعد، فعليه أن يظهر الشجاعة والكياسة التي يبطنهما في أعماق قلبه وجمجمته.

وهكذا سينظر لنفسه وروحه المنتصرة، فربما خرج من هالة التفرد، وأقصى الآخر من مكانته، فقد كان من البؤساء، وله عن غيره الميزة في التفضيل، والمنقبة في التعليل، والبينة في التضليل، عن محاسنه ومقاسمه ومباسمه ومراسمه.   

 

هذه هي الأسباب الحقيقية التي تُفشل قصص الحب في المجتمع العربي وخاصة اليمني، وقد ذكرناها هنا لقراءة حالها الأصلي كما هو واضح، وما جاء فيها إلا ما هو قائم إلا على حقيقة يعرفها الكثير. 


✍️ /تـامـر التـويـج 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب