حسرة أُنثى

 حسـرة أُنثى 

للكاتب/ تـامـر التـويـج 



قـالـت بمكنون عبارةٍ توقفت فيها روحي عن بثَّ الكلمات، وفي تعبيرٍ جفتني صُروفهُ وظُروفهُ، قبل أن تفارق روحي مراتبهُ وحُروفهُ، لا أدري ما السر الكامن في العبارة التي قالتها؟، لكنها بعثت في قلبي شرارة ولظت في فؤادي حرارةً تُقطع بها الحشايا والأوصال وتُهجر بها الأحباب على الوِصال، ويَرثيك فيها الجُهّال والعُذال، فلا تكفيك قمر للسكون أو شمس للظنون،ولا حتى تُبقيك أنيسًا لنفائس الأقوال فتعهد إلى الركون، وهكذا أطرقتُ بجفني طَرف المـآقِ حتى نطقتَ بجملتها عن حُرقةٍ وإشفاقِ ونُهدةٍ على رجيف الفِراق، فتفوهت بأُولى مناهل الحروف قائلـةً:

("(‏" كان أحدهم جميلًا جدًا، لدرجة أن الأرض حَسدتني عليه فأخذتهُ بداخلها ")")... 


فصمتُ وأنا مذهول من جلل ما نطقت بمعناه، وشبهت بمضناه عن أسى روحها وعلة منطقها، وبعد صمتِ العجيب، هدمتَ جدار الخوف لساني ثم قلتُ:

لا، يا سيـدتي، بل أظنُ أن تضارب الريح مع الرياح جعل وميضهُ خافتًا وبريقهُ هافتًا، في زحام ذرات الغبار، فاختفى في دهشة الناظرين جميعًا بين العَجاج، كأنهُ هشيـمٌ بعثـرهُ ولادة نسيمٍ عليل تمخَّضتهُ الريحين قبل وضعه، في ربيـعٍ أبدل قُمرتهُ خريفُ سقيم جـرَّهُ الدهر في عجلة، فلبس رداء الخوف وسكت هائبًا حتى ضعُفت جذور الأشجار وذبُلت طراوة الأزهار، وتساقطت الأوراق أمام الأنظار، فتوسم الجميع خيرًا وقالوا: تلك إذًا أقـدار، وردوا الشر وتوسموا به خيرًا ـــ فلا تنَّهـارِ فما لذاك شمعةٌ ولا دمعة، فكيف تُضيء عينيها لتبكي، وليس بحوزتها حتى عُود ثِقاب أو بيان عِتاب، وهل للأرض أن تخطتفهُ وبطنها حالك وعاتم، وقاتم كأنهُ حاتم، لا، لا أظن ذلـك، فما أقطع به على اليقين أنك في اختبار قسوة الرحيل، فإياك أن يسرح دمعك الذليل، وأنتِ مع مهجتك سعيدة وعن أوجاعك بعيدة، فلِما تقوليـن ذلـك، وكما قلت لك لن يبقى أحدهم جميلًا حتى تسرِقهُ الأرض وتضمـهُ في ثَراها، وصدقيني قد تهُـبُ عليه الأرض بعاصفةٍ ينحي لها دون كبرياء فتأمُرهُ وتُسيَّرهُ أيُّما شاءت وأرادت، إلا أنها لن تضعهُ على ذُبـاب السيـف يهمي، فكونِ على يقين وليس ظنين، بأن ديارهُ ستعيدهُ، سواءً كانت قلبًا أو طينًا وأديمـا، سيعود إليـكِ ويبكي عليـكِ، فلا تحـزنِ لفراقـه...






##تامر التويج

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب