دروب الصداقـة

دروب الصداقة  

✍️ /تـامـر التـويـج 



مقدمــــة:-

لا شك أن الصداقة هي من تنتشلنا من تعثرات الحياة وتُعسها الذي يمتثل أمامنا كأنه وحشٌ مفترس، ولا شك أيضًا أن الصداقة الحقيقية والسمحة والصالحة والفضيلة هي مثل القنديل الذي يُضيء لك دروبك في حياتك، ويؤنس دارك في مماتك، فتنتفع بها في دُنياك وأُخراك، وتشد بها عضدك وتؤازر بها نفسك، حين تلم بك المصائب وتُحيط بك المطالب في عسرة وفاقة الدنيا التعيسة، والحياة البئيسة في نظرك ومنظورك.

ولكن هذا لـن يكون مُفاجئـًا ومُخيفـًا لنا، ما دام عالم الصداقة يلتمس الأُنس والونيس والدر النفيس ليُضيء بجماله طريق النجاح ويكون عنوانـًا للفلاح، وأيُّ صـداقةٍ قـدَّ تمضيَّ بك قُـدمـًا وتجعلك تسير في دورب النجاح (بنُصحها، بنفعها، بوفائها، بمعروفها، بكل شيء جميلٍ يُوصلك لمثل هذا الدرب)، وأيـُنـا لـم تكن له صداقة صديق وصحبة رفيق ساعدته في مواصلة مشواره برنين أوتاره التي عزفها في محيط الصداقة وشاطئ الوفاء ومرساة الكلمة التي أصبحت تاجـًا يوضع على الرأس ومِرسالًا يُحاك به حلم الحياة الجميل؟


واقع الصداقة







إن النظرة إلى مفهوم الصداقة في الوقت الراهن أصبح يُجسد حقيقة واحدة لدى الكثيرين، في مجتمعنا اليمني خاصة والمجتمع العربي عامة، إذ أن تفكير الكثيرين ينحصر بين ضفتي النهر ولا يتعدى سواهما إلى غيرهما، وهذا لأنهم لم يدخلوا في طبيعة البيئات وحالتها والهيئات التي تظهر بها 

واليوم ألزم الأمر بأن نكتب عن حقيقة الصداقة التي باتت تكتنفها موجات الغموض الكثيف وتغطيها أوراق الخريف؛ فلم يعد أحد يعرفها أو يفهمها بصورتها الفلسفية والمنطقية والسهلة... 

 هذا ولن نتطرق في استعراض فلسفة تعاملات الصداقة، لأي مفهومٍ غربي، أو نظريةٍ  معقدة في تفسير علاقات الصداقة، بل سنشرح بأسلوبٍ بسيط جدًا أمور كثيرة تتكرر في حياتنا يوميًا، ظنينا ويقينا.

فمن الناس من يرى أن الصداقة بطبيعتها هي مادية أكثر من كونها معنوية، ويقصد بذلك، أنها عبارة عن نظام أو أسلوب مستمر يقوم على تبادل المنافع الممكنة شرطًا وقت الحاجة، ومن الناس من ينظر إليها على أنها علاقة ودية تقوم على الانصات وفهم الجانب الآخر من الإنسان وهو الإحساس، وهناك من ينظر إلى الصداقة بأنها المعرفة بالشخص وبكل أحواله وتشكيل تلامس مادي مع هذه الشخصية عبر هدية معينة، أو هبة، أو عطية، وذلك كإشارة تذكير بالمعرفة فقط،..., آراء كثيرة جدًا حول دروب الصداقة، ولا يسعنا ذكرها في هذه المقالة.

 

ومن هنا سنوضح هذا الغموض الذي شكل دائرة وساوس كثيرة في عقول الكثيرين، فلم يعد يعرف   من هو صديقه الحقيقي ومن هو رفيقه، ومن هو نديمه وخليله، فقد بات يظن عيبًا وخيانة في معظم أصدقائه، واللافت في الأمر، أن الإنسان لو تفكر وفكر لعرف أن هذه سُنة المنطق، وقبل أن نصف جمال الصداقة، دعونا نتفق على حقيقة واحدة ترددت شكوكها وظنونها كثيرًا بين جموع عامة فسرت واقع صداقتها بظنٍ كئيب ومعتقدٍ مُخيب، ولكن اللبيب هو من يقدر كل الظروف التي حوله، ويربط علائقية الأمور مع بعضها، والأمر الذي سنتفق عليه هو: أنهُ لا توجد صداقة حقيقية بكل معناها في الوقت الراهن، إلا ما رحم ربي.


الحقيقة التي يجب على الإنسان أن يعرفها! 

إن الصداقة الحقيقية لا يكتمل معناها في ظرفٍ واحد، وعلى صديقٍ واحد، ومهمةٍ واحدة فقط، بل في لكل ظرف صديقهُ الخاص، ولكل موقفٍ رفيقهُ الوحيد، ولكل مأساة نديم وحيد، ولكل حالة شخصها المناسب، وحتى في جذور اللغة العربية ، تتعدد المسميات ولكل مسمى معناه الخاص به في كل حالةٍ تخصهُ وموقفٍ ينصهُ الظرف والحاجة،  فهناك من الأصدقاء(الخليل والزميل، والأنيس والجليس، والصديق والرفيق، والقرين والنديم، والصفي والنجي، والصاحب والسمير، والصاحب والترب)...

وقد يكون الأصدقاء كثيرون حولك، ولكنك لا تحتاج سوى صديق واحد، حسب ظرفك وحالك الذي يتطلب منك تأدية ما عليك...

فهناك صديق سيقرضك مبلغًا من المال؛ لأنك بحاجة ماسة إلى هذا القرض؛ لسداد فاتورة حساب، أو لتغطية مصروف معين؛ فيُنجدك هذا الصديق بكل احترام وتقدير لصداقتك معه؛ فظرفك أصلًا يتطلب منك ذلك، وصديقك من طبائعه أنه كريم ويقدر مثل هذه المواقف... 

وهناك صديق مُستعد أن يُلقي بنفسه للتهلكة، ويغامر معك ويقف في مشكلات كثيرة، فيها تعصب وعصابات وضرب وقتل، فيكون جميلهُ لك كبيرًا، وتشعر أنت بأهمية ذلك، وفي الحقيقة أن هذا هو كل ما بوسعِه أن يفعلهُ من أجلك، لأن طبيعتهُ وشخصيتهُ تحب هذه الأمور في التعصبات والمعضلات...

وهناك صديق ليس بجعبته من بنات عقله، إلا أن ينصحك ويقول لك: انتبه لكذا وكذا وخذ بكذا وكذا، وأفعل ذلك وأترك ذلك، واحرص على ذلك، وإياك وإتيان ذلك الأمر فإنك فيه هالك، نعــم، قد يكون هذا هو حالك صديقك، فليس بوسعِه أن يُعطيك شيء أو يخوض معك شيء، أو يُهلك نفسه لأمرٍ طلبتهُ منــه، فهذه طبيعته وشخصيته، يُحب النصح والنصيحة، ومتزن وعقلاني، فأعطاك أهم ما لديه وهو النصيحة التي ربما لن تعرف قيمتها إلا بعد فوات الأوان... 

وهناك صديق واقف معك في مشكلات وهموم وإشكاليات وغموم، فشاركك عقلك وفكر عنك واقترح لك الحلول، وسهر معك وكان نديمك ورفيقك، فتستشيره ويُعطيك وتطلبهُ في مشورةٍ فيُهديك بما يرى، ويجلس معك معظم أوقاتك في فرحك وصفو مزاجك، فيرثيك لوجعك وألمك، ويصبر عليك في سخطك وغضبك، وهذا الصديق ربما أنت من تُقيمهُ في فهرس صداقتك، وهذا لأن طبيعته هكذا، فهل ستقدر صداقته البسيطة والمقتصرة على ذلك...

المواقف كثيرة في حياتك، وهي تحتاج لكل حال صديق، فلا تنظر لصديق لم يعطيك مالًا وأنت بحاجته بأنه ليس صديق، ولا تنظر لصديق حين طلبته لضرب وتعصب وقتلٍ وتحزب، بأنه ليس صديق، ولا تنظر لصديقٍ أردت منه أن يؤدي عنك شيئًا سلبيًا وخطرًا بأنه ليس صديق، هكذا هي الحياة، وعليك أن تفهم كل من يحيط بك جيدًا، فما أجمل من يعرف نفسه وما يدور حوله!، 

فلكل صديقٍ طبعهُ الخاص، فأحدهم كريم ولكنه يخاف من المشاكل والمشكلات، وأحدهم قوي وعفريت ولكنه بخيل، وأحدهم ينصح ويحب الهدوء ولكنه غير متعصب، وأحدهم سيسمعُك ثلاث ليالٍ سويا، وأنت تشكو له همك وغمك، ولكنه لن ينفعك فيما أنت فيه بشيء؛ لأنه لا يقوى على شيء، فبعض الأصدقاء لا يستطيع أن يفعل لك شيء، ليس لأنه لا يريد، بل لأن هناك ما يمنعهُ يفوق طاقته وسلطته، إلا أنه يتألم من داخل قلبه ويتقد مثل الشرارة عليك، وقد يدعو لك بالخير من أعماق قلبه، فيقضي الله حاجتك ويُسير ويُيسر أمرك، بسبب دعوة صديقك العاجز في حيلته بأن يصنع لك شيء، فماذا تُراك ظننت بهذا الصديق؟، وأنت لا تعرف ماذا صنع لك في ظهر الغيب...

فإياك إياك أن تطلب وتلح على أحدهم بأن يُعطيك شيئًا لا يقدر عليه، أو تطلب منه تأدية خدمةٍ لا يقدر عليها، أو تُحرجه بشيء لا يحبه، لا تفعل كل هذا، فإن رفض أحدهم أن يتم لك طلب أو ينهي عنك غرض، لظروف وصروف قيدتهُ ومنعتهُ على نفعك، فقد تصحو وتغدو وأنت تقول عنه: هذا لا يقف معي ولا يُقدرني، هذا باعني وتركني، هذا بخيل وجبان، وهذا لا يفزع ولا ينفع، وهذا لا يصنع ولا يقطع به عيش ولا ملح، وهذا كذا وكذا، وهلـــم جـــرا...

نعم سيأخذك الظن بأن تطلق الأحكام في كل صديق ورفيق- وستجد في كل أوقاتك أن بعض أصدقائك ينصروك دومًا بمشاكلك، إلا صديق واحد، لا يُحب العنف ولا القُوة، وفي يومٍ من الأيام كُنت في فاقةٍ شديدة وعلى عوزٍ وحاجةِ ماسةِ لقسطِ من المال، فلم يُغنيك قوتك أو كثرة عُصبتك التي معك بإعطائك حتى سنتًا واحدًا، ولكن صديقك الودود وأثناء مُروره لتأدية غرضٍ ما، رآك واقفًا ومًنكسًا رأسك للأسفل، وأنت مُطرقُ في جُل ويلات بنات الصدر الذابحة، وجولات بنات الدهر الجامحة، وتحت وطأة حروب دفعك لبنات العيـن الفاضحة، وهكذا كان حالك كأنك بلا ظلٍ أو مُؤنس، ولكن هذا الصديق عرفك وعبر إليك، وتعرف على همومك وأنجدك بما تبحث عنه، فصرت في حرجٍ شديد وحُزنٍ جديد، وحُزنك لأنك ظننت به من قبل بوجهة نظرك كل الأمور السلبية، وكان ظرفك يدعوك من قبل بأن تنـعتـهُ بالجبان والرعديد، بينما من حولك أعتارُ وصناديد، وستقول لنفسك حينئذٍ يا ندماه وأسفاه على ما ظننت بهذا الجواد الكريم وهذا الصديق العظيم...

فيا صديقي كُل صديق سيحتفظ بصديق؛ ليحصل على عاطفة النصح والسمح وترميم الجرح وبرء القرح، ودفن الصرح الشامخ بضريح الأحزان، فهل لعاطفة الصداقة أن تبني مجدًا لكل إنسان، ويصبح مرموقا وذو شأن؟ وهل جميعنا يبحث عن صديق مخلص في نُصحه وقوله وفعله وعمله، أم أن صداقتنا تمرق من الرمية إلى رميةٍ أخرى، باحثة عن جوهر المادة فقط ...

والسؤال الذي سنرميه بين أيديكم وعقولكم؟  

هل ستتغير نظرتنا لتمييز مواقف الصداقة، وفهم طبائع الأشخاص وشخصياتهم بمواقف الصداقة؟، فهذا والله عين الحق، في زمنٍ كثُرت فيه تداعيات الحسرة حول تصنيف درجات الصداقة، فنصير بحسرتنا المملوءة بعين الريبة، ونحن نقــول: هـذا وفيُ وهـذا خائـن، هـذا نصوحُ وصادق، وهـذا لئيـم ومنافق، ....إلــخ، وتمضي عليـك الأوقات والسنوات وأنت لـم تعرف ظروف الحياة وطبيعة البيئة التي تقطنها...

كل موقفٍ يؤديه لك صديق، يُقيـَم بتقييمِ مُعيَن، وبحسب هذه القيمة والتقييم تعرف قيمة صديقك، فقد تفقد حيرتك وأنت تفكر كيف ذلك؟ الموقف الذي يخلصك من همِ وغم ويرجعك للاستقرار فذاك أفضل المواقف الذي يتربع فيه صديقك في قمة الترتيب في قلبك، فهو بفضل الله أزاح عنك مُثقلات التفكير، وصنع بفضل الله سعادة لك وأدخل على قلبك اليُسر والتيسير، فنعم ذلك من تغيير، وأبخل الأصدقاء من لم ينصحك لخوفه بأن نصيحتهُ سترفع من شأنك إذا عملت بها، أو قد يُحبطك حتى لو لديه نصيحة، فيُثنيك من عزمك ويحط من همتك أرضًا، وذلك بحُجة أن جرب من قبلك ولم ينجح ويربح، فبئس الصديق هــذا...


أجمل الأصدقاء وأجمل الصداقات












إن أجمل صداقة هي تلك الصداقة التي تأخذك بفضل الله إلى بر الأمان، فتنقذك من أن تقع فريسة في شباك ومصيدة وقائع وصنائع الزمان والمكان، وقد تأخذك بعلم تنتفع به، أو بمالٍ يخلصك من ذائقة حرجة، أو نصيحة ترشدك دربًا محمودًا، أو رفقةً صالحة في مسيرتك، وأجمل الأصدقاء هو الذي ينصح قبل أن يعطي، ويرشد قبل أن يمدح، ويعلم قبل أن يلوم، ويفهمك قبل أن تشكو له، ويأخذ من همك ما أستطاع وأن يدفعه ويبعده عنك بكل ما يقدر عليه.... 



الخاتمة في قصة










في الأمس رأيتُ شخصين يتحدثا بصوت يسمعهُ كل من يمر في طريقهما، وكان أحدهم على عجلةٍ من أمره ويبدو أن وراءهُ عمل هام في وظيفته، بينما كان الآخر في ريعٍ من أمره وكان يقول: دعنا نتحدث قليلًا أرجوك، أنا أسف على ما بدر مني سابقًا، ولكن أعطني بعضـًا من وقتك كي أخبرك وأشرح لك عما كنت أقصده.

ولكن صديقه لم يكترث له أو يسمعه أو حتى  يسنح له الفرصة؛ ليُعبر عما في وجدانه ويخبر عن شأنه وخصوص ما يود أن يقوله.

فأعرض عن صديقه ثم ذهب مسرعا حيث يقصد، ولكنه ذهب وترك وجعـًا عميـقـًا في قلب صاحبه، فهو لم يمنحه من وقته حتى القليل، ليقول له ماذا يُريد:؟، انكسر خاطر ذلك الشخص كثيـرًا، وتأسى حاله وحزن حُـزنـًا شديـدًا!... 

وفي ذُهولٍ مني إزاء هذا الموقف، لم أجد نفسي تكلف نفسها بالصمت أو الاستغراب في اللامبالاة  وعدم الإحساس المشاعري  بما شاهدتهُ عيناي وسمعته أُذناي وخر وتفطر له قلبي- بل أخذتني حيرتي واتجهتُ نحو ذلك الشخص والمنزعج من مأساة ما حصل له، حتى أواسيه وأعرف حالته؛ كي أُقدم له المساعدة، وليتني استطعت... 

اقتربت منه فقلت له: ما بك يا رجل؟، أراك مُثقل الهموم ومُحمل الغيوم على كاهلك!، أخبرني ماذا أردت أن تشكو لذلك المُتعجل في أمره؟، أخبرني به, علني أقدر على مساعدتك!...

طأطأ رأسه قليلًا ثم قال: هل تعرف من كنت أحدث؟, فقــلـت: بالطبــع لا، فمــن هـو؟ 

فقال: ذاك صديقي ورفيقي درسنا سويـًا وتعلمنا معـًا وتآخينا وترافقنا في كل درب وعشنا كل المسرات. فقلت وما بالكما غير متفاهمين؟!، وكأنكما لا تعرفان بعض!، فأثر الرفقة والزمالة لا يُرى عليكما قط.

فرد علي وقال: هذا في سابق عهده، ولكن صروف الزمان جعلتنا في فرقٍ وشُعب، فاخطأ كُل بحق الآخر لسوء فهم وخلاف بسيط في أعوامنا الأخيرة قبل تخرجنا، ولا أُخفي عليك، لقد كنت مُخطأً بحق هذا وكنت مُعارضا لما يقول وجرحت كبريائه وتعاليت عليه كثيرًا لشيءٍ تافه وأمورٍ بعضُها أتفـه من بعض، كنا نُكـبـَر من قيمتها ونُعلي من شأنها، ولا نجعل لمشاعر بعضنا أي قيمة، فيجرح أحدنا الآخر ويشتمه ويُنقص من قدره، وهو يعلم أنه مُخطأ، وكل ذلك لأشياء بسيطة جعلتنا نحقد على بعض حتى لحظة، وبعد ذلك كل واحد  وواحدة منا، شق طريقه ورأى مستقبله، وهذه هي السنة الثانية بعد تخرجنا ومن تلك اللحظة أدركت حق يقين، بأني خسرت القيمة الثمينة والجوهرة المتينة والحصينة ....، نعم فقد خسرت الزمالة وتركت الأثر السلبي واللحظات الساذجة والمواقف المشبعة بالسخرية...  

كنا نضحك لبعضنا بعض مجاملة لكل موقف فيه سُخرية، ويستحي أحدنا أن يقول ذلك صح وذلك خطأ، كنا نريد أن نضحك فقط، وفي داخلنا شيء يقول لنا أننا على خطأ، لكن نفوسنا كابرتنا وأوقعتنا في فخ المسخرة والتنابز، ولكن ذلك لم يجدي نفعًا وقد كسرنا خواطر و قلوب أصدقائنا،  هل تعرف أن الذين كانوا يشجعوني ويصحبوني في تلك المواقف يقولون لي اليوم بأنني كنت مخطأً وفظاً وبأن أسلوبي لم يكن صحيحًا، وهم ذاتهم من أعانوني في ذلك الباطل والمُنكر بضحكتهم وتشجيعهم لي، واليوم أدركت أنني خسرت زملاء وزميلات جرحتهم كثيرًا مع زملاء آخرين، لم يكونوا لينصحوني في السابق ولم يكونوا يمنعوني عن تلك الأفعال الغبية، واليوم كما ترى، أحد زملائي أردت أن أعتذر له فلم يسمعني 

سمعته الطيبة وسلوكه الحسن وزمالته الرائعة كانت خير مثال، وهو ما جعلني أندم على التفريط به وبمثله، الآن أريد تقديم الاعتذار له فقد رأيته للصدفة قبل شهرين ولكنه أعرض عني ومشى من جانبي كأنه لا يعرفني... 

صمتُ طويلا ثم قلت: لقد اخطأت بحق زميلك وكان ينبغي عليك أن تفكر في كل ما تقول قبل أن تقول، فأنت بذلك تُنهي تلك الأعوام ببعض الكلمات الساذجة، وربما نيتك لم تكن تقصد ذلك، لكنك لم تراعي زملائك، واليوم هم محقون عندما يمشون ولا يلتفون لك...

نعم أنت الخاسر، المجتمع يحتاج للأشخاص العظماء في أقوالهم وأفعالهم واليوم حتى أصدقائك المشاركون معك في سلوكك لم ينظروا لك كبطل، بل كشخص أحمق يصدق أي كلام...  

كان هذا حال ذلك الشاب، لقد آلمني كثيرًا كل ما قال عن إعراض زملائه له، وعن إحدى زميلاته التي أراد منها أن تتوسط له في إحدى شركات العمل، ولكنه انصدم حين قالت له: إنهم يبحثون عن شخص مثالي وحسن السيرة والسلوك الجماعي، وأنت لا تصلح لهذا، وهذا عمل ولا أريد أن أقع بورطة  بالتوسط لك وتوظيفك... 

قال لها: قد تغيرت ...فقالت له: فاتتك الفرصة وفلان سيشغل الوظيفة قد اتصل بنا في الأمس. 

وفي الآخر، لا يسعنا القول إلا أن الإنسان الذي فقد صداقاته وأصدقائه، فلن يفقدهما إلا بحماقة تصرفه وطيشه، يحاول أن يعيش اللحظة  ولا يفكر، لا يفكر بالعواقب، لأنه لا يكترث، فكأنهُ في جمود حسي وعقلي، وحين يصحو من خيبةٍ طالت به، يجد نفسه بل صديق أو رفيق، فلا كلمة ولا جملة ترجع لك الحياة للخلف؛ لتقـــول: أنــا أســـف.



✍️ /تـامـر التـويـج 




تعليقات

‏قال بسمة أمل
لا أعرف كيف أبدأ كلماتي او كيف أسردها الصداقة ما أجملها من كلمة ما أجمله من شعور كلمة تحمل أكثر من معنى حب، ووفاء، وإخلاص، وعطف، وحنان
فالصديق هو الذي يشاركك مسراتك وأحزانك الصديق هو الذي يبادلك المشاعر في أفراحك وأتراحك الصديق هو الذي يقف معك في حلو وقتك ومره
فكم هو جميلٌ وصفكم وتعبيركم وتوصيفكم لكلمات المقال فبالتوفيق لك أستاذ /تامر
مزيداً من التألق والابداع

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب