الآنســــــة ســـارة "سالي"...

 الآنســــــة ســـارة "سالي"... 

   مقالة اجتماعية وأدبية للكاتب/ 

         تـامـر التـويـج





معيار المقالة وفي هذه المقالة الاجتماعية والأدبية سنوضح معيار كلا من:

المال – العاطفة – العلم

كيف للمجتمع أن يُسقطك من مكانتك في سقوط أحد هذه المعايير؟

وما الشيء الأكثر أهمية في نظرهم إلى الإنسان؟

خاصةً إذا كان جل اهتمامهم هو المال ومظاهر الدنيا فقط...

حين يأخذنا ظرف تجربة ما، تُقصي الإنسان من مكانته، نرجع للماضي قليلًا ونتذكر المسلسل الكرتوني: "ســالــي"، وهو المسلسل الذي وضح لنا بطريقة مباشرة وغيرة مباشرة، ألوان الإنسان وأشكاله المختلفة...

سارة أو الآنسة سالي، مرت بمواقف عصيبة بفقدها عنصر المال الذي يعتبر نموذج القياس الأول في نظر بعض أصناف البشر؟

لا يهم إن كنت تملك عاطفة ورحمة، ولا يهم إن كنت ذكيًا وذو علم، ولا يهمني أخلاقك وتعاملك مع الناس...

كن كيفما تشـاء!

المهم أن تملك المال والثروة

ذلك من سيعطيك القوة والنشوة

وهو من سيخلق لك الحياة والشهوة

سالي تفقد المال، لكنها لم تفقد قلبها

فقدت المال، لكنها لم تفقد الأمل والحياة

ما زال في قلبها رأفة عظيمة، وما زالت جميلة بعلمها وأخلاقها وبرقة قلبها...

لكن المسكينة لا تعلم أن بعض الوجوه ترتدي أقنعة لتُخفي وتُضمر معكوس الود والإنسانية، حتى ولو كانت تُمثل معاهدًا علمية ومدارسًا أدبية، فإن ذلك لا يهمها، فكل ما يدور في بالها هو طريقة الحصول على الأموال فقط...

اسألوا السيدة: منشن وسوف تخبركم عن ذلك؟

ونذكر إلى أن الهدف من المقالة لم يأتِ فقط لتذكير الآنسات والسيدات فقط بقيمة الحياة التي تكمن في خِصال جميلة وسِجال فضيلة، ترفع من قدرهن وتجعلهن يعشن حياتهن بسلام، وليس من باب العودة لذكريات الطُفولة، أو التحسر على أوان الشيخوخة والكُهولة...

بل جاء معيارًا واحدًا للرجال والنساء، في تعلمهم من دروس الحياة، في تجربة بسيطة حقيقية، رأيناها جميعًا على هامش العيش في الصِغر، لا نعلم عنها أي شيء، سوى القسوة والود، الشر والخير، الفقر والغِنى...

ولكننا لم نتعلم اللوازم الخفية منها، في معيار الفتاة الصابرة التي تُمتحن في الشدة وتتألم لأوقات طويلة، ولا يمكن أن تيأس أو تفقد الأمل، في معيار اللطف ورقة القلب في مضمون الإنسانية، في معيار المماثلة والمقارنة الذي يخلق الغرور في جحيم الكِبر، في معيار قتل الكبرياء والرياء ولو كان طريقهما إلى العلياء، في معيار التسامح وغفران الأخطاء، في معيار تعليم الغير كيف أن نار الحسد لا تُضرم في قلوب الطيبين ولا تنشب في طريق المتعلمين، في معيار سيد الإنسانية "التواضع"...


الأميـــرة ســارة أو كما يعرفها الجميع "الآنســة ســالي" ...

تلك الفتاة الودودة واللطيفة، الفتاة التي يستوي عليها حجاب الحياء ويسيطر على نظراتها الخجل الذي ليس للعين منه ملل أو بدل...









تلك الفتاة الملائكية الإحساس والرقيقة القلب واللينة الفؤاد، التي تخطف الأنظار ببسمتها الساحرة وطلتها الآسرة لكل من ينظر إليها...

إصرارها وصبرها العجيب هو ما يجذب القلوب نحوها، واجتهادها وعزيمتها هما من يجعلان منها ملكة عظيمة مهما كانت الظروف والمتغيرات من حولها.


ابتسامة سالي بين الوجد والمجد 

الأميرة اللطيفة، التي رسمت الابتسامة في وجوه الكثيرين ممن شاهدها.

الأميرة التي لا تعرف رقة صفحتها إلا الفتيات.

فلم تمل عيونهن من إعادة مشاهدتها في التلفاز تكرارًا وإعادة، فقد يرين في ذلك سعادةً وإفادة...

تلك القصة المليئة بالعاطفة والحب، حيث ألم الفرح يكبر ثم يكبر، وفجأة تراه سالي جُرحًا عميقًا أتسع خرقه وزاد نفقه وأوجع حرقه في خبرٍ أمات الابتسامات وخلق الانقسامات؛ فتغيرت القلوب على الأميرة، حتى جُعلت في قلب مدرستها أسيـرة.

لم تعد تلك الفتاة التي يهتم بها الجميع، بما فيهم تلك السيدة التعيسة "منشن"، التي لا يسعها إلا أن ترى المال وتنسى الحال والمآل وتُخيب الفرحة والآمال، لا تبحث إلا عنه فقط.

تضيع سـالي في زحام الذكريات القاتلة، وبين الوجوه العابرة في حياتها، في قصةٍ يُندى لها الجبين، ويرخص لها كل ثمين، وتقطع بُحزنها بهجة كل السنين، ويبعثر في حياتها كل أوراق الحنين...

هل تقنع الروح، وتستقر في باعث الشك، وتقـرأ عن رسالات الطموح الروحية ...؟

أم تظـل في حيرة الظنون تعكف على منالٍ مبتور وحلمٍ مغرور، وقلبٍ فيه وباء التُعس ورياء اصطياد أوجاع الآخرين، على الأرواح أن تقدر ثمن أديان الحب والإنسانية، وتُصحح علائقها؛ لتمشِ في طقوس أعراف نافعة ونفس خاضعةٍ للتواضع من كل الأرواح المماثلة لها تكريمًا وعِزّة، أم تُراها تختبئ في قِفارٍ وبِحار خادعةٍ ومانعة، تخوض فيما يجرح وترى ذاتها دون أن تمدح.

هل ستجد الروح وقتـًا لتُحب، وتجد وقتـًا لتصحح المذهب، ووقتـًا لتتعرف على ملامح الملائكيـة في النموذج البشري، الذي مهما عظُـم في بطولاته وترَّفـع في غاياته، وزاد من هيبته وآيـاته، وتفرد بحُلمه وراياتـه؛ مهما فعل كل ذلك؛ فقط سيظل بالنسبة للروح بلا هويـة...

هل ستجد الروح وقتـًا لتصحح وتُرجح وتُفاضل وتُنقح كل شوائب المعارك الجدلية في باحتها وساحتها، حينما يكون لها باعُ عظيم ومقام كريم بين أوساد البشر وأنجاد الطير والشجر، أمَ أن المال والسيادة تفعل فعلها وتفرض قولها، فلا نفس سخية ولا روح نقيـة...؟ اسألوا أرواحكم، وانتظروا جوابها من أنفسكم!، فإن لم يسر الجواب، فابدأوا بعبارات العتاب مع ضمائركم، فقد تعرفون من أنتم، وماذا تعني لكم الأرواح والأنفس لحياتكم؟

هل ستلقى وقتـًا للعِتاب في ظهر مراسيل الحب، وأفانين اللوعة...

وأيُّ كتابـًا ستقرأ هذه الأرواح العنيدة، والبعيدة عن أصائل الحُب!!!.

علينا أن نترك ذاتنا وأرواحنا في اختبارٍ صعب، نستطيع فهم كتاباته، وحفظ خطاباته، والاحتراس من نبراته وضحكاته...

وألا ننصاع لغرورها وشرورها، وألا نخضع تاركين جوارحنا خاضعة لهواها ومنتهاها، وأن المظاهر لـن تغرنا بأي صورةٍ، أو توهمنا بأي خاطرة...

فمهما واجهتنا المصاعب، فلن تتعدد المذاهب، وسيكون طريقنا نحو الحُب واحد، وإزاء العاطفة كتائب، وإن دفعنا في حياتنا ثمنـًا وضرائب.



يأتي سيناريو القصة عن أحداث حقيقية وقعت في الهند، وليست مجرد خيالات كاتبٍ فحسب.

حيث تتحدث هذه القصة عن فتاة من أب بريطاني يعيش في الهند وأم فرنسية درست في بريطانيا عندما كبرت في فترة 1885م، ولكن مات والدها بعد أن أصابته وعكة حمى شديدة، مات على إثرها فورًا، فأخبرها محامي والدها، أن والدها أعلن إفلاسه الكامل، ولم يتبقى من أمواله أي شيء كي تأخذه؛ فيتحطم قلب سالي حين تسمع بكل ذلك، وتتحول بين ليلة وضحاها إلى فتاة فقيرة غير قديرة على دفع تكاليف تعليمها، الأمر الذي يجعل مديرة المدرسة، "السيدة منشن" تأخذها وتجعل منها خادمة في مدرستها، بعد أن كانت الفتاة التي تُأمر فتُطاع، وتتمنى فيُلبى طلبها.

وتبين أحداث القصة، الفروق الكبيرة بين القلوب، وتكشف أقنعة كل الوجوه، وتعرف سالي من لها ومن عليها، من الذي سيمسح على قلبها، ومن الذي سيعمق جراحاتها ويُدمي فؤادها...

فينكشف لسالي الواقع المنطقي لتفكير كل شخص في المعهد أو المدرسة.

فمن سيقف معها؟ ويواري حزنها الذي يتجدد كل يومٍ بمعاناتها في الأعمال التي تُكلف بها من قبل السيدة التي لا يهمها إلا المال فقط، ولا تقدر إلا المنازل بالمظاهر والترف، ولا يهمها ذكاء الفقيرة ولو كانت جميلة في قلبها الرقيق وتعاملها الشفيق، وإحساسها المليء بالعاطفة تجاه الإنسانية، لم يكن ليهمها كل ذلك، فقط المال هو كل شيء...

تحاول سالي تجاوز كل تلك المأساة التي خلفت أشواك القسوة والألم لحياتها، فتصبر لسنوات وتتحمل مرارة الويلات من كل تلك المعاملات التي عُرضت لها، وفي نهاية المطاف يأتيها الخلاص من ظرفها الصعب بعد أن تدور عجلة الزمان، وتأتي بتباشير السرور وفرح الحضور، لهذه الفتاة التي كتبت بجمال صبرها، حكايةً ترويها الأجيال، حيث جاء صديق والدها الذي ظل يبحث عنها لسنوات، ليحمل إليها رسالة في طيها خبر تطير له فرحًا، حيث أن أملاك والدها ترجع إليها، فتعود إلى موقعها الطبيعي في المجتمع وتسامح كل من أساء إليها


حذاء السعادة

ابتسامة ســالي أصبحت تتوارى في بُهرة الليل، خوفًا من أن ترتطم بخطوات السيدة منشن، فتمتحن سـالي بويلات العذاب، وكأن الفتاة المسكينة قد أيقنت أن ضحكتها أصبحت تشكل إزعاجًا لكل من تكرهها، فتمشي بحذرٍ بخطاها متحكمة بثغرها مانعة إياه من التبسم، وكأن ضحكتها فتنة قد وئِدت وحرب قد خُمدت، ومن يراها يظن أنها قد ثُكلت.

هُنا صرحًا يُطلُ عليه كوكبًا مذبوح وبدرًا مُنكسرًا يُحيط بهِ أزهارًا ذابلة، تفتقد الأشياء جمالها من بهاء عيني.

روح سـالي تجسدت في دُميتها التي تواسيها في كل همومها، فترتمي إليها وتبكي من دموع الرحيق حتى تنام، فتستفيق على صوت زاحف متسلل إلى غرفتها المتواضعة، آتيًا من ذلك الطباخ الماكر جيمس.

كبرياء السيدات 

تحاول لافينيا أن تُدخل سالي في معركة الكبرياء التي لا يمكن لسالي أن تستوعبها، فبعد أن وجدت سالي نفسها تخدم الفتيات التعيسات أمثال لافينيا المغرورة، وتبتاع أغراض الطباخة من السوق لجيمس الأحمق مع زوجته البدينة، ومن ثم تعمل في المدخنة الشديدة الحرارة، ثم تغسل الأطباق وتمسح الجدران والحيطان، بعد كل هذا، لا يمكن لها أن تقبل الخوض في معركة الكبرياء مع تلك المتعجرفة لافينيا، فحالها لا يقطع إلا بعبرات تنزل على أسيل خدها، وتروي كل معاناتها.

وكأي حرب تقوم، نشبت حرب الغرور في قلب لافينيا فأضرمتها وزادتها لهيبًا، في وجه البريئة سالي، وما ذنبها أن كانت جميلة وذكية، إلا أن ذلك لا يعفي قلوب بعض السيدات اللائي يمسحن من قلوبهن كل شيء يتعلق بالتواضع والإنسانية ومبدأ الاعتراف.

وكمثل أولئـك المغرورات تعمد لافينيا إلى كل ما يزعج سالي.

ولكن سالي بصبرها العجيب وموقفها الصعب تهزم لافينيا وكأنها منتصرة، ولكن الغرور والحسد لا ينته، فتأبى لافينيا إلا تعذيب سالي وضربها، فتشتكي بها زورًا بصويحباتها الشقيات وكذبها المتعمد للسيدة منشن، صاحبة الأمر ووليته.

سالي: كيف تغضبين الأميرة لافينيا

يا لك من حمقاء

اضربوها وامنعوها من الأكل.

للأسف! هـــذا واقع الكثير والكثير، ولي أن أُجزم بأن هناك منشاويات كثيرات، ولافينيات مغرورات كثيرات أيضًا، ولكن السوالي والساليات الودودات قليلات جدًا...

مأساة الذكريات الجميلة والواقع

وقبل أن يكون للفتاة المسكينة المتصدع قلبها بما سمعت عن والداها وإرثه الضائع، تندلع في وجهها حرب الكبرياء المليئة بالسخرية من لافينيا وصويحباتها الشقيات، فتنطلق سهامٌ ثقيلة بنظرات جارحة فيها التشمت من حال ما وصلت إليه سالي، وبقلبٍ قوي تشرع سالي لتحمل وجل وجلل ماحل بها ونزل عليها، فتشرق شمس عمرها ولا تمكث في كهف اليأس، فتطلق عصافيرها من أمام نافذتها، لتُعطي ذلك الإشراق لونًا يحفزها ويكسو فؤادها بأعذب الألحان وأجمل الأغصان.

تُكفكف الأميرة الصغيرة دموعها بتصبر عجيب، وتحاول صديقتها الرائعة فيكي أن ترسم في وجه سالي ابتسامة السعادة، ولكنها تنصدم بعوائق كثيرة، مراقبات وعيون حولها.

تدرك سالي أن الواقع الذي تمر به، ويمر عليها لن يطول كثيرًا، فهي تتصبر ذائقة مرارة الألم والويل، بين حال تذكر صفحات والدها وذكرياتها كآنسـة يخدمها الجميع، ولا يرفض لها طلب، وبين الحال الذي قطع بها أن تكون ضحية لمن لا يعرف عفو الحياة وعالم البساطة في متاهات هذه الحياة المتقلبة.

لم تكن لإحداهن أن تحمل قلب بيتر، ذلك الصبي اللطيف، سائق العربة الذي كان يحمل أمتعة سالي ويساعدها في حمل تلك المتاع التي تفوق طاقة سالي وتودي بها معاناة لا تُطيقها، فلا شك أن هكذا حياة قد أودت بها جحيما لا يطاق.

كانت كل تلك المعاملات القاسية لسالي صادرة من السيدة منشن، فما كانت لتسمح لها حتى السير في نُزهة، فكيف إذا تأخرت المسكينة في عودتها من السوق.

وفي ظل العقبات التي تعترض سالي بعد سماعها لخبر موت والدها، تواجه سالي فتيات يملأهن الدلال، ويكسوهن الغرور والكبرياء، فتيات بعيدات عن مثال التعليم والاحترام، فتيات لا يقسن سنام الحياة إلا بالطبقية والمظاهر.

فتيات تعيسات، ليس بإمكانهن أن يُشعلن حتى قنديلًا يُضيء معاناة فتاة ضعيفة، ليس لديها ما تتقوى به في عالم التمايز والتحيز للنفوذ والمادة.

تعرف سالي جيدًا أن مثل هؤلاء الفتيات لا يمكنهن أن ينافسنها في بساط العلم والعقل، وأنهن لا يبحثن إلا عن السخرية ممن لا يُطقن رؤيتها تتربع في سماء أحلامها، وتكون سفيرة في العلم لبلدها ودولتها.

النهاية

ها أنا أقف من جديد ترتسم الابتسامة على مُحياي، أعود لأكتشف من أكون، لأضع لافتة عنوانها: لقد عدت للحياة.

أنتعل حذاء السعادة، وأسير ماشيةً في درب ليس له مثيل.

عليها أن تقتل الصمت، وتفك العقد التي خيطت به الأمل، حتى لا ترتمي بأحضان الخيبات، وبين نتوات الموسيقى الحزينة، والتواء الحروف على تفاصيل خيالها وجمالها الأسيرين في سجون منشن المظلمة.

وحتى يستريح قلبها البريء والجميل، لم تلتفت سالي للماضي، وتنكف على أخباره أو تزيح ستائره، بل أبعدت كل تلك الأحقاد التي كانت بمثابة الشجى في حلقها، وغسلت قلبها من كل ما تقلب فيه من أوجاع ممن أساء إليها.

سامحت الجميع، وابتسمت، وكتبت رواية الصبر، والأخلاق والعزيمة، بكل حكمة جليلة وآية فضيلة.

أخذت سـالي كل ذلك بوتيرة وعين قريرة، على عياء وانشراح وقلب مرتاح، فجنحت للعفو، رغم الغوائل التي اجتاحت قلبها حين عملت كخادمة مهانة، وذوائب شعرها بدون تظفير ولا تشطير.

لم يكن في قلبها سخيمة ولا ضغينة، بل جمعت كل أرتال المحبة والحنان، وهي تغدو الآن كأميرةٍ على أسبارٍ عظيمة، تحت كل الأنظار.


✍️ /تـامـر التـويـج 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب