استغباء المُجتمعات
استغباء المُجتمعات
للكاتب/ تامر التويج
استغباء المجتمعات
العروق البشرية والفروق الفكرية والاجتماعية، حازت منهجًا خاصًا هو الكفيل لتعريف الإنسان بقيمته، ولكن المسار اختلف في عالم الطبيعة التي أنصفت النظام وعبثت بخالقه وفالقه، ولن تسمو الحكمة الإنسانية إلا إذا احترم الإنسان الإنسان...
لقد سعى الإنسان إلى رؤية ذاته وهي تنسجم مع مقدورات بيئته وطبيعته، ومحله وعقله، وذلك في موضوعية تامة بعيدًا عن تأملات الخيال والمحال...
فهو لم يُطالب الإنسان بالسعادة، ولكنه يبحث عن التجارب التي تجعل منه صاحب القرار بحياته ومماته...!
جذريًا كانت تُشير كل الاحتمالات والنواحي إلى أن الإنسان مجرد عابث بمصيره وناكث بمبدأ التنظيم والتوازن والتقييم...! العقبات الكثيرة والحياة المصطنعة هي من كبلت محدودية الإنسان قبل أن تُوثق عزيمته، وتُوصد الأبواب أمام حكمته وبصيرته...!
علت الأصوات وتتابعت الثورات والصيحات التي طالبت باستقلالية النظام الإنساني، بعيدًا عن الاتحادات المنظمة، ولكن ذلك لم يُؤتي أُكله؛ لأن صوت الإنسان لم يتحد، ولم يتقد في وجه البروتوكول الذي يدعي حماية المجتمعات الإنسانية، من الحيوانية والعدوانية.
وهكذا قد يجد المجتمع نفسه في دوامة لم يسبق لها مثيل، دوامة الحرب التي لا يعرف عنها شيء سوى القليل من الأخبار على أشرطة القنوات المُتحزبة والمعارضة لبعضها، وقد لا يجد الدليل إلى المؤتلف المثالي الراشد، فيكون ضحية الحكومة العبثية والمشتتة، وضحية الحرب الاستنزافية لموارد البلد:(البشرية والمالية، والطبيعية والحضارية)، ومن هنا، قد نقول من يُحاسب من، فلا رجل دولة دائم، ولا عمل حكومة قائم، وكل أحد يُسقط اللوم على الآخر...
شرعنة (استبرار)
من الصعب عليك أن تعمد إلى فعل السلوكيات الغريبة واللاإنسانية، فهذا يرمي عليك ثِقل الخوف من المحاسبات الغيرية لكل تصرف تُبديه، ولكن ليس من الصعب أن تتخذ سياسة أكثر تهورًا، لتفرض بها هويتك، وتؤدي عملك بقوة على الغير، سواء كان الضحية إنسانًا أو شعبًا بأكمله...
وهذا ما تهدف إليه بعض الأنظمة الحاكمة والسياسية، وبعض المستبدين من خارج اتحادات الدول أو حتى داخلها، وذلك حين يعمدون إلى سياسة الشرعنة؛ لتبرير أعمالهم الغير شرعية، والشرعية أو الاستبرار هي عملية نفسية علائقية تهدف إلى تبرير العدوان على الغير من خلال تأثيمه، من خلال وضع كل اللوم عليه وتحميله مسؤولية المأزق الذاتي أو المآزق العلائقية، عندما يصبح هو المذنب، وهو مصدر الخطر والتهديد ومصدر العلة في حالة من تبخيس إنسانيته والحط من قدره وتحويله إلى عقبة وجودية في وجه السعادة الذاتية والوصول إلى تحقيق الذات، وعند هذا الحد يحدث رد فعل براءة تجاه الذات التي تصور كضحية يقع عليها كل الغرم من الخارج، ومع رد فعل البراءة هذا يفتح السبيل أمام إطلاق العنان للعدوانية الذاتية في فعل تهجمي تدميري ضد الآخر المسؤول، وتُعاش هذه التصرفات التدميرية تحت شعار الدفاع المشروع عن النفس.
عماد شرعنة العدوان على الغير هما إذًا الإحساس بالغبن المفروض، وبروز الاتجاه الإنصافي، فلا يمكن أن تستوي اللوازم في ترك ما هو مُفرط من سلوك العدوانية، وهذا السلوك المُشرعن هو تمامًا مثل نظيره التشيءُ في محاولة إفقاد الشيء الكلي قيمته ومحاولة تحقير أهميته، في باب الجُزء فقط، ومن ثم التعميم على كُلية الشيء والعمل على تفريغه كُليًا من مضمونه تدريجيًا للتأثير فيه، وأما التشيء كعملية فهو اختزال وجود كائن إنساني إلى مرتبة الشيء، ويتعلق هذا المصطلح بعمليات التبخيس التي تُصيب قيمة الإنسان، كآخر شبيه بنا ومعادل لنا في علاقة تكافؤ، فيحل محل الاعتراف بإنسانيته انهيار لقيمته في نظرنا.
وبالتالي فقدان هذه الإنسانية لقدسيتها وما تستوجبه من احترام، وما تتطلبه من التزام تجاهها، يتحول الآخر في هذه الحالة إلى مجرد أداة أو رمز، أو أسطورة، يفقد خصوصيته واستقلاليته كليًا.
الاتجاه الإنصافي
وتنتهج السياسة طريقًا سلبيًا في اعتداءات الحروب، حين تضرب سلوكها بيد من حديد، لمقاومة الفعل، بأسلوب متعارض تكون فيه النتيجة عبثية، فتكون حصيلة العملية، فعل ورد فعل ضد مكنون واحد هو الفعل الذي يُبديه الطرف الآخر – فتكون الدعوى في هذا الاتجاه مٌبررة لذاتها، ولكنها ليست مُبررة لفاعلها، إذ أنها نِتاج لمظلومية كبيرة ضد الغير، وهذا الاتجاه الإنصافي هو تحول نفسي ضروري في الصراع العلائقي الذي ينتهي إلى العدوان على الآخر، فالمُعتدي يُحس أنه ضحية غُبن مفروض عليه لغير ما ذنب اقترفه، وبالتالي يُحس أنه بريء في حالة من إسقاط كل المسؤولية الذاتية، والعدوانية الذاتية على ضحيته المقبلة، هذه الأحاسيس وذلك الإسقاط يجعل العدوان يبدو كفعل مبرر، كدفاع مشروع عن النفس، كتخليص للحق المهضوم والكرامة المستلبة.
ماذا يريد المجتمع؟
قبل أن نُغادر عالم التفسير والتنظير، لا بُد أن نتوقف لبُرهة مع مُعطيات التفكير، فنستجلب ما وافق الأهمية، ونُرجع ما خالف وناقض الحكمة البشرية، على أن الرؤى العقلانية ليست مجهولة في عالم الحيثيات...
الاحتكار والتمدن، هذا يسبق هذا، والمُحفز من أراد، فإلى متى تُعقد هذه الجلسات الضالة؟
لم ينكر أحد تطور المجتمعات الإنسانية؟ وبذات الحال يستحيل أن نُفكر أن الاتحادات المنظمة أو العصابات لم تحاول استغباء الإنسان في كل عصر ومصر...!
فالمجتمعات لا تبحث سوى عن الاستقرار الذي يأتي من ورائه الازدهار العام في العلم والصحة والاقتصاد، وتريد كسر هيمنة النظام الإعلامي المضلل للناس والكاذب، وتريد المجتمعات رؤية الحقيقة بدون ميول وتغيير، وهكذا ستكون الاستجابة فاعلة وفعّالة في المجتمع.
فالوعود الذي تقدمها الدولة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فالمجتمع قد تعب منها، وتعب من أعذار الأحزاب التي يعمل أحدها باسم الشباب والحرية، والآخر باسم الدين بينما هو منزوع الهُوية، والآخر يدّعي أنه سيعمل بنظام الشعبية والديمقراطية، وكل هؤلاء المُدّعون يعرفهم الشعب والمجتمع، ويتداولون حقيقتهم في المجالس عامة، والأرجاء قاطبة، وهذا بدون أدنى شكٍ منا، فالشعوب تقتل من يستحقرها ويجعلها بدور الطريدة العمياء...
✍️ /تـامـر التـويـج
تعليقات
إرسال تعليق