السياسي مواطن

 السياسي مواطن

للكاتب/ تامر التويج

التجاذب الوجداني

يجد الإنسان نفسه فجأة بين قوتين غريبتين في السلوك، فيضمحل بريق المجتمع وهو يحاول معرفة الخير من الشر، والصالح من الطالح – ولكن ذلك يتعارض عليه في قدرته على التفريق المنتظم، من أجل التحليق في سماء الحقيقة بدون خوف، وبين الحُلم وأخيه نجد أن التجاذب الوجداني الذي يسعى إليه الإنسان، ليس سوى محطة تجعله مُتذبذبًا بين ميلين متعارضين موجودين معًا، كل منهما يشدهُ في اتجاهه، ولا نعني في هذا الأمر تأرجح الإنسان في (العاطفة) بين الحب والحقد، بل وجود الإنسان بين قوى الخير والشر، ولا مجال لتضمن أي نقيض في كل منهما، فالمواطن قبل أن يكون سياسي لا بد أنه كان يعرف بشدة هتين القوتين، وأنه لا مهرب من أي منهما، وعليه أن يُحدد مسار أفكاره من أخياره وأشراره؛ لأن الشعب والمجتمع لن يتغاضى عن جريمته، أو يحط عنه سخيمته، أو يغفر خطيئته، فإما أن يُبقي جُذوره وإيمانه مع ظروف المجتمع ويتمسك بعهد ما نوى عليه، أو أن يتذبذب بين الرغبة والنفور مُتجاهلًا مطالب مجتمعه وأمته، ومُنقادًا في أوامر كبيره وحُزمته...


بين الكبت والخوف (بيئة السياسي)

إن الإنسان في طبيعته قابل للتغيير، والتأثر بما يحيط به، فهو يواجه عدة قوى قد لا يمكنه التصدي لها أو التحكم فيها، لذا لا ضيم ونحن بقولنا لهذا الكلام، أن نجعل للسياسي عُذرًا بسيطًا ولكن ليس كبيرًا...

فالسياسي وإن عاش في بيئة أوسع إلا أنه يخضع لعدة ضغوطات تضعه في حالة قابلة لأي انحراف، مما يقوده لبعض الإكراهات التي يراها المجتمع جريمة أو عبث...

"البيئة العالية، الشخصيات السياسية القوية الداخلية والخارجية، القرارات الحكومية، القانون، ضغوط المجتمع، اللجان الاعتراضية، المنظمات الإنسانية، الإعلام، وكل شيء حوله"...

كل هذا يتفاعل معه ذلك السياسي الخائف، فيبقى محترصًا على كل ما يصدر منه، فهو يعتبر نظام يأخذ من كل الأنظمة التي حوله، من مدخلات جهة، وعمليات جهة أخرى، ومخرجات جهة أخرى كذلك، ويمكنه حتى أخذ التغذية الراجعة للاعتماد عليها وتصحيح المسار...

وكذلك يمكنه إدراك العلاقات وتشابكها، وليس مجرد الالتزام بأساسيات الأنظمة، بالشكل التي تجعل تجربته السياسية عقيمة...

قد يصل الحال بالسياسي إلى أن يُشكل أمامه عُقدة واسعة، تُعرقل قراراته وتطيح بتوصياته...

وهنا إما الانسحاب وتقديم الاستقالة، أو العتاب ممن هو أعلى منه والفصل، أو الاستمرار على حال الفساد، واستخدام فن اللامبالاة مع الجميع...

المشاعر الباردة، التجاهل، الضحك السخيف، القرارات الروتينية...

وتبدو المرأة السياسية في هذه البيئة المُعقدة أكثر ثقة من نقيضها "الرجـــل"، إلا أنها سُرعان ما تقع ضحية تحت أجندة التنمرات القاسية، والملامات الشديدة، وهكذا تُقاد تدريجيًا إلى مِقصلة الإقالة والاستغناء السياسي، أو التنازل الذاتي بذاتها بعد أن عُرضت للدروس التي أقصتها من خدمة المجتمع والوطن...

لقد انفعلت من الموقف وكل ما كان يحويه، وكنت عصبيا ولم أتمالك نفسي...

علمت أن هكذا أمر لا يمكن السكوت عنه؛ فأعيتني المذاهب، وسُدت في وجهي الطُرق...

لن أحاول تبرأة السياسي!؟ 

ولكني أحاول من زاوية بعيدة أن أحيطكم علما بما يُعرض له السياسي من ضغوط الأحداث من حوله...

ولا أدري إلى أي هوةٍ سُتعبر بي مجاديف الساسة المُتحذلقين والمتشدقين...

أأبيت محزونا أندب حظي العاثر فيما تبقى لي من سقف أحلامي التي سرقتها من برق الرواعد وطيف الشواهد...


ما وراء الكواليـس

تبديد الثروة الوطنية على المظاهر الخارجية، والتخفي وراء الوظيفة، واستغلال إحدى اليدين في الإيهام واستعطاف المجتمع، بينما اليد الأخرى تعبث بالوسائل والفسائل وتضرب الحابل بالنابل، وهذا كله من أجل التمهيد في أحقيته كسياسي يخوض في عالم الأعمال ويُشرعن ويُقنن في البروتوكولات ويناظر ويحاضر في مادة القانون ويُقايض له ويُعارض عنه كل من يقف في طريقه ولا ينتمي لفريقه، وكأن الدراما تنطبق على حياة السياسيين والدبلوماسيين أكثر من غيرهم، فهم يبدون للمجتمع اليد البيضاء التي تُوضع على الجمر لتحمي الجميع، ولكنهم خلف تلك الكواليس، كيدٍ سوداء تحمل رقعة سوداء في غرفة مظلمة وليلة معتمة وحالكة السواد، وكأن كل إشارةٍ في ذلك تحمل المعاني العظيمة للقلوب الرحيمة بأن السياسي يكره نفسه، لكنه يمد في عمرها بألاعيبه المضللة للمجتمع.

ذلك الاعتقاد المخلص في ذاتية الإنسان بمنطقه الصامت لن يقوده إلى أن يملك حكما سليما على الأمور المفروضة والمعروضة على حواسه المتوفية.

لسنا هنا بصدد التمييز بين الغث والسمين، ولكننا بمنطقٍ أحق ان يُقال عنهُ بأنه يُفرق بين العوامل الحاكمة لكل حقبة، وقد نتوقف مع البراهين لترجمة الوقائع للاستدلال بها في المعقولات والقياس بما يُشاهد من المحسوسات...


الخطوط الحمراء وخيبة الوعود

إنه مُضطر في اللعب على الخطوط الحمراء، هو لم ينس واجبه؟

لكنه يعيش تجربة قاسية!

لم يكن يدرك أن الحال ستجعله في هذه الدوامة؟

وأما قرينه فبملء إرادته دخل إلى حُجرة وقواعد هذه اللعبة...

ما العمل يا رفاق؟ الرحلة شاقة يا أصدقاء؟ وقد تكون العواقب وخيمة وأليمة!

هل هي تهورات في تقدير الذات، أم سوء تقدير للتهرب من المسؤوليات، أم مجرد أخطاء في التفاصيل والحسابات؟ لماذا لا يفي رجل السياسة بوعده؟

هل الطريق التي ظنها سهلة، تبينت له أنها محفوفة بالمخاطر؟

يتساءل رجل السياسة عن منسأة البصير التي قد تقوده في الظلام، إلى ذلك الطريق الذي يهتدي به إلى تجاوب منطقه مع دهاليز السياسة، ولهيب المجتمع؟

إلى نزع غلوائه أمام مجتمعه وأمته، وبسط عليائه أمام قادته وعترته!

هذه هي العلاقة الغامضة التي يحاول تأطيرها كي تتفاعل مع البرنامج السياسي ومصداقيته أمام الشعب، الذي ينتظر ولادة الثورة السياسية بلون التفكير والديمقراطية.

لا يمكن أن نرى العملية السياسية تتأهب لمخاضٍ عسير ينتج عنه بادرة دعوة التيارات الحزبية بما احتوت وتضمنت إلى طاولة التصفيات المؤهلة لقيادة برنامج الدولة؛ ثم نأتي بعد ذلك بقابلة في عينيها الرأفة التي تصفح عن موبقات الحزب، لتسيده في الموقف، وتعلن بأنه الأقوى!؟ وأنه من سيحكم؟

فعلى النقيض؛ الانتفاضة العامة، ستدعو إلى امتصاص الولاء والانتماء لحزبية النظام، قبل مشروع الدولة، وهكذا يدخل السياسي في أزمة انهيار من جميع الأحزاب!

يُقرر الميول والانحياز إلى من هو قادر على السيطرة، فيكتب لنفسه بدايات ونهايات كان قادرًا على النفاذ منها، كما ينفذ الحية من جلدها.

الإيدولوجية الميتة تساوي خيبة الوعود التي يضمنها السياسيين كهدفٍ سامٍ يسعون لتنميته في جدارات قوية، تنم عن قيم وأفكار سياسية لا تناسب معتقدات المجتمع، إلا أن السياسي سيكون مواطنًا طائعًا بالنسبة للنسيج السياسي لكبرائه في النظام؛ وسياسيًا مُتشدقًا في الصراع الإيدولوجية الغراء ومضللًا للحقيقة أمام عقيدة المجتمع؟

وفي آخر المطاف، سيكون سؤالنا الأبرز الذي سنرمي به على طاولة السياسي؟

هل نسيت بأنــــك إنســان ومواطن؟ أمَ آمنت يقينًا أنك في الهُّوة السوداء؟؟؟



✍️ /تـامـر التـويـج 









تعليقات

‏قال Unknown
ٳبدااااااع
كاتب اليمن بلا منازع

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستغناء عن الموروث الديني

الإنسانية والإسلام

كلمة رئيس اللجنة التحضيرية في حفل تخرج دفعة قادة الأعمال _ جامعة إب